للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَغْلِبَ عَلَى نَفْسِهِ بَعْدَ إِسْلَامِهِ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ الْهُدْنَةِ فَيْعَتِقَ بِهِجْرَتِهِ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّهُ غَلَبَ عَلَى نَفْسِهِ فِي حَالِ الْإِبَاحَةِ.

فَإِذَا أُعْتِقَ فِي هَذِهِ الْحَالِ، فَهَلْ يَلْزَمُ الْإِمَامَ غُرْمُ قِيمَتِهِ لِسَيِّدِهِ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، كَالزَّوْجَةِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ الْهُدْنَةِ، فَلَا يُعْتَقُ لِحَظْرِهِ أَمْوَالَهُمْ بَعْدَهَا، فَلَمْ يَمْلِكْهَا مُسْلِمٌ بِالْغَلَبَةِ، وَيَكُونُ عَلَى رِقِّهِ لِسَيِّدِهِ، وَيُمْنَعُ مِنْ دَفْعِهِ إِلَيْهِ، اسْتِيفَاءَ رِقِّهِ عَلَيْهِ؛ لِئَلَّا يُسْتَذَلَّ بِالِاسْتِرْقَاقِ، وَيُقَالُ لِسَيِّدِهِ إِنْ أَعْتَقْتَهُ كَانَ لَكَ وَلَاؤُهُ، وَلَا قِيمَةَ لَكَ عَنْهُ بَعْدَ عِتْقِهِ، وَإِنِ امْتَنَعْتَ مِنْ عِتْقِهِ لَمْ يُعْتَقْ عَلَيْكَ جَبْرًا؛ لِمَا أَوْجَبَتْهُ الْهُدْنَةُ مِنْ حِفْظِ مَالِكَ، وَكَانَ الْإِمَامُ فِيهِ مُجْتَهِدًا فِي خِيَارَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَبِيعَهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ يَدْفَعَ قِيمَتَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَيَعْتِقَهُ عَنْ كَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَهُمْ وَلَاؤُهُ.

فَلَوْ كَانَ الْمَطْلُوبُ أَمَةً ذَاتَ زَوْجٍ غَلَبَتْ عَلَى نَفْسِهَا وَهَاجَرَتْ مُسْلِمَةً، فَحَضَرَ سَيِّدُهَا وَزَوْجُهَا فِي طَلَبِهَا، كَانَ حُكْمُهَا مَعَ السَّيِّدِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ حكم العبد في العتق والرد، وعزم الْقِيمَةِ عَلَى التَّقْسِيمِ الْمُقَدَّمِ.

وَأَمَّا حُكْمُهَا مَعَ الزَّوْجِ، فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا، فَإِنْ كَانَ حُرًّا كَانَ فِي اسْتِحْقَاقِهِ لِمَهْرِهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ قَوْلَانِ كَالْحُرَّةِ، وَلَا يَكُونُ غُرْمُ قِيمَتِهَا لَوْ أَخَذَهَا السَّيِّدُ مَانِعًا مِنْ غُرْمِ مَهْرِهَا لِلزَّوْجِ. وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا فَفِي اسْتِحْقَاقِ الْمَهْرِ قَوْلَانِ أَيْضًا، لَكِنَّهُ مِلْكٌ لِسَيِّدِهِ دُونَهُ فَلَا يُسَلَّمُ إِذَا اسْتَحَقَّ إِلَّا بِاجْتِمَاعِ الزَّوْجِ مَعَ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ البضع للعبد. وملك المهر لسيد، فَإِنْ تَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا بِطَلَبِهِ مُنِعَ، وَإِنِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ دُفِعَ بِاجْتِمَاعِهِمَا إِلَى السَّيِّدِ دُونَ الْعَبْدِ كَمَا لَوْ مَلَكَ الْعَبْدُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ نِصْفَ الصَّدَاقِ كَانَ مِلْكًا لِلسَّيِّدِ، وَلَمْ يَنْفَرْدِ بِقَبْضِهِ إِلَّا بِاجْتِمَاعٍ مَعَ عَبْدِهِ. وَلَوْ كَانَتِ الْمَطْلُوبَةُ أُمَّ وَلَدٍ فَجَاءَ سَيِّدُهُمَا فِي طَلَبِهَا كَانَتْ فِي الْعِتْقِ، وَاسْتِحْقَاقِ الْقِيمَةِ كَالْأَمَةِ، وَلَوْ كَانَتْ مُكَاتَبَةً، فَإِنْ حُكِمَ بِعِتْقِهَا عَلَى مَا قسمناه في الأمة بطلب كتابتها، وفي استحقاقه في لِقِيمَتِهَا قَوْلَانِ.

وَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ بِعِتْقِهَا، كَانَتْ عَلَى كِتَابَتِهَا، وَلَمْ تُبَعْ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَدَّتْ مَالَ كِتَابَتِهَا عَتَقَتْ بِالْكِتَابَةِ، وَكَانَ لَهُ وَلَاؤُهَا، وَسَوَاءٌ كَانَ مَا أَدَّتْهُ مِنَ الْكِتَابَةِ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ أَكْثَرَ، وَإِنْ عَجَزَتْ وَرَقَّتْ حُسِبَ مِنْ قِيمَتِهَا بِمَا أَخَذَهُ مِنْ مَالِ كِتَابَتِهَا بَعْدَ إِسْلَامِهَا، وَلَمْ يُحْتَسَبْ عَلَيْهِ مَأْخَذُهُ منها قبل الإسلام، فإن بلغ قدر والقيمة، فَقَدِ اسْتَوْفَى حَقَّهُ، وَعَتَقَتْ وَكَانَ وَلَاؤُهَا لِلْمُسْلِمِينَ، وَهَلْ يُرَدُّ عَلَيْهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>