الْمُحْصَرِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي حل أو في حرم فإن كان فِي حِلٍّ فَلَا يَخْلُو حَالُ الْإِحْصَارِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَامًّا، أَوْ خَاصًّا.
فَإِنْ كَانَ عَامًّا وَهُوَ أَنْ يُصَدَّ جَمِيعُ النَّاسِ عَنِ الْحَرَمِ وَيُمْنَعُوا مِنْ فِعْلِ مَا أَحْرَمُوا بِهِ مَنْ حَجًّ أَوْ عُمْرَةٍ، فَلَا يَخْلُو حَالُهُمْ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:
إِمَّا أَنْ يَجِدُوا طَرِيقًا يَسْلُكُونَهَا إِلَى الْحَرَمِ غَيْرَ الطَّرِيقِ الَّتِي أُحْصِرُوا فِيهَا، أَوْ لَا يَجِدُوا طَرِيقَا غَيْرَهَا، فَإِنْ لَمْ يَجِدُوا طَرِيقًا غَيْرَهَا، فَلَا يَخْلُو حَالُهُمْ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:
إِمَّا أَنْ يَرْجُوا انْكِشَافَ الْعَدُوِّ، أَوْ لَا يَرْجُونَهُ.
فَإِنْ لَمْ يَرْجُوَا انْكِشَافَ الْعَدُوِّ جَازَ لَهُمْ أَنْ يُحِلُّوا مِنْ إِحْرَامِهِمْ، سَوَاءٌ كَانَ إِحْرَامُهُمْ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ وَإِنْ لَمْ تفت ففي المقام على الإحرام بلا مَشَقَّةٌ، وَقَدْ كَانَ إِحْرَامُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِعُمْرَةٍ فَأَحَلَّ مِنْهَا بِإِحْصَارِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُمْ قِتَالُ عَدُوِّهِمْ، وَإِنْ كَانَ بِهِمْ قُوَّةٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقِتَالَ لَا يَلْزَمُهُمْ إِلَّا فِي النَّفِيرِ، فَإِذَا حَلُّوا فَعَلَيْهِمْ دَمُ الْإِحْصَارِ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِمْ فَهَذَا الْكَلَامُ فِيمَا إِذَا كَانُوا لَا يَرْجُونَ انْكِشَافَ الْعَدُوِّ.
فَصْلٌ
: فَأَمَّا إِنْ كَانُوا يَرْجُونَ انْكِشَافَ الْعَدُوِّ وَزَوَالَهُ فَلَا يَخْلُو ذَلِكَ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ.
إِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الْيَقِينِ، أَوْ مِنْ طَرِيقِ غَلَبَةِ الظَّنِّ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الْيَقِينِ، وَهُوَ أَنْ يَعْتَرِضَهُمُ الْعَدُوُّ مُجْتَازًا، وَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْمَقَامُ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَخْلُ حَالُ الْإِحْرَامِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:
إِمَّا أن يكون بحج أو بعمرة، فإذا كَانَ الْإِحْرَامُ بِحَجٍّ، نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ إِدْرَاكُ الْحَجِّ مُمْكِنًا بَعْدَ انْكِشَافِ الْعَدُوِّ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْإِحْصَارُ قَبْلَ الْحَجِّ بِشَهْرٍ، وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْحَرَمِ مَسَافَةُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ، فَيَكُونُ الْفَاضِلُ مِنَ الْقُوتِ عِشْرِينَ يَوْمًا، فَإِذَا تَيَقَّنَ أَنَّ الْعَدُوَّ يَنْكَشِفُ إِلَى عِشْرِينَ يَوْمًا فَمَا دُونَ، فَعَلَيْهِ الْمَقَامُ عَلَى الْإِحْرَامِ، وَلَيْسَ لَهُ التَّحَلُّلُ مِنْهُ بالإحصار، وإن تيقن أن العدو ينكشف بعد عشرين يَوْمًا، وَلَا يَنْكَشِفُ قَبْلَهَا، فَهَذَا لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْ إِحْرَامِهِ بِالْحَجِّ، وَهُوَ الْأَوْلَى لَهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ يُدْرِكُ الْحَجَّ، فَإِنْ لَمْ يَتَحَلَّلْ حَتَّى انْكَشَفَ الْعَدُوُّ وَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ بِغَيْرِ طَوَافٍ وَسَعَيٍ؛ لِزَوَالِ الْإِحْصَارِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَطُوفَ وَيَسْعَى، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ؛ لِأَجْلِ الْفَوَاتِ، وَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِلْفَوَاتِ دُونَ الْإِحْصَارِ، فَهَذَا إِنْ كَانَ إِحْرَامُهُ بِحَجٍّ، فَأَمَّا إِنْ كَانَ إِحْرَامُهُ بِعُمْرَةٍ فإن تيقين انْكِشَافَ الْعَدُوِّ عَنْ زَمَانٍ قَرِيبٍ، وَذَلِكَ يَوْمٌ أَوْ يَوْمَانِ أَوْ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لَزِمَهُ الْمَقَامُ عَلَى إِحْرَامِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ التَّحَلُّلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي اسْتِدَامَةِ الْإِحْرَامِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ، وَلَا يَخْرُجُ بِهَا عَنْ حد السفر إلى الإقامة، وَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّ الْعَدُوَّ يَنْكَشِفُ بَعْدَ زَمَانٍ بَعِيدٍ، جَازَ لَهُ التَّحَلُّلُ مِنْ إِحْرَامِهِ وَلَمْ يَلْزَمْهُ الْمَقَامُ عَلَيْهِ، فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ حَيْثُ قُلْتُمْ: إِنَّهُ إِذَا كان محرماً يحج، فَأُحْصِرَ، وَالْوَقْتُ وَاسِعٌ، وَعَلِمَ أَنَّ الْعَدُوَّ يَنْكَشِفُ بَعْدَ شَهْرٍ، وَإِدْرَاكُ الْحَجِّ لَا يَفُوتُهُ بَعْدَ شَهْرٍ، أَنَّ عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute