فَإِنِ اشْتَرَاهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ نُظِرَ: فإن كان العين فِيهِ يَسِيرًا قَدْ يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ كَانَ مَعْفُوًّا عَنْهُ لِأَنَّ الْعُقُودَ لَا تَخْلُو غَالِبًا مِنْهُ. وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ لَمْ يَجُزْ، ثُمَّ يُنْظَرُ فِي الْعَقْدِ:
فَإِنْ كَانَ بِعَيْنِ الْمَالِ بَطَلَ، وَإِنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ كَانَ الشِّرَاءُ لَازِمًا لَا فِي مَالِ الْقِرَاضِ.
وَأَمَّا بَيْعُهُ فَبِشَرْطَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَتَوَقَّعَ بِهِ تَنَاهِي أَسْعَارِهِ الْمَعْهُودَةِ لِيَسْتَكْمِلَ بِهِ الرِّبْحَ الْمَقْصُودَ.
وَالشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَسْتَوْفِيَ أَوْفَرَ الْأَثْمَانِ الْمَوْجُودَةِ لِأَنَّ بِهَا مَحَلٌّ بِرِبْحٍ مَقْصُودٍ. فَإِنْ بَاعَهُ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ نُظِرَ فِيمَا غُبِنَ بِهِ:
فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا قَدْ يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ كَانَ مَعْفُوًّا عَنْهُ لِأَنَّ الْعُقُودَ لَا تَخْلُو غَالِبًا مِنْهُ. وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ لَمْ يَجُزْ، وَكَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقْبِضْ، فَإِنْ قَبَضَ ضَمِنَ، وَفِي قَدْرِ مَا يَضْمَنُهُ قَوْلَانِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ.
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ يَضْمَنُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَضْمَنُ مَا قَصَّرَ فِيهِ مِنْ نقص القيمة.
ولا يبطل عقد القراض (بضمانه) لاستقراره بتصرفه.
[مسألة]
قال المزني رحمه الله تعالى: " وَلَوِ اشْتَرَى فِي الْقِرَاضِ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا أَوْ أُمَّ ولدٍ دَفَعَ الثَّمَنَ فَالشِّرَاءُ باطلٌ وَهُوَ لِلْمَالِ ضَامِنٌ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ.
لَا يَجُوزُ لِلْعَامِلِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِمَالِ الْقِرَاضِ مَا لَا يَصِحُّ شراؤه ولا يجوز تملكه من الوقوف والعضوب وَأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَكَذَلِكَ الْخُمُورُ وَالْخَنَازِيرُ سَوَاءٌ كَانَ الْعَامِلُ أَوْ رَبُّ الْمَالِ مُسْلِمًا أَوْ نَصْرَانِيًّا.
وَقَالَ أبو حنيفة إِنْ كَانَ الْعَامِلُ نَصْرَانِيًّا صَحَّ شِرَاؤُهُ لِلْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَأُمِرَ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِحِصَّتِهِ مِنْ رِبْحِهِ.
وَهَذَا فَاسِدٌ لِأَنَّ مَا لَا يَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِيَهُ الْمُسْلِمُ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَشْتَرِيَهُ النَّصْرَانِيُّ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ يَمْنَعُ مِنْ شِرَاءِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ فَوَجَبَ أَنْ يُمْنَعَ فِيهِ مِنْ شِرَاءِ الْخِنْزِيرِ وَالْخَمْرِ كَالْمُسْلِمِ.
وَإِذَا صَحَّ مَا وَصَفْنَاهُ مِنْ فَسَادِ هَذَا الشِّرَاءِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْعَامِلِ مَا لَمْ يَدْفَعْ مَالَ الْقِرَاضِ فِي ثَمَنِهِ، وَإِنْ دَفْعَهُ ضَمِنَهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى النَّصْرَانِيِّ مَالًا مُضَارَبَةً، وَلَا أكره للمسلم