أَحَدُهُمَا: لَهُ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ لِعَدَمِ شَرْطِهِ كَمَا لَوْ شَرَطَ ضَامِنًا لَمْ يَلْزَمْهُ الرِّضَا بِضَمَانِ غَيْرِهِ وَإِذَا شَرَطَ رَهْنًا لَمْ يَلْزَمْهُ أَخْذُ رَهْنٍ غَيْرِهِ، كَذَلِكَ لَوْ شَرَطَ شَهَادَةَ شَاهِدَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ أَصَحُّ، أَنَّ خِيَارَ الْبَائِعِ قَدْ أُسْقِطَ بِإِشْهَادِ شَاهِدَيْنِ إِذَا كَانَا عَدْلَيْنِ وَإِنْ كَانَا غَيْرَ الْمُعَيَّنَيْنِ الْمَشْرُوطَيْنِ بِخِلَافِ الرَّهْنِ وَالضَّمَانِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمَّا صَحَّ اشْتِرَاطُ شَاهِدَيْنِ غَيْرِ مُعَيَّنَيْنِ لَمْ يَتَعَيَّنَا وَإِنْ شَرَطَا مُعَيَّنَيْنِ، وَلَمَّا لَمْ يَصِحَّ اشْتِرَاطُ رَهْنٍ أَوْ ضَمِينٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ لَزِمَ إِذَا كَانَ مُعَيَّنًا.
وَالْفَرْقُ الثَّانِي: أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالضَّمَانِ وَالرَّهْنِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ ذِمَمِ الضُّمَنَاءِ وَقِيَمِ الرُّهُونِ. وَالْمَقْصُودُ بِالشَّهَادَةِ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الشُّهُودِ، وَلِهَذَا لَوْ قَدَرَ الْمُشْتَرِي عَلَى الشَّاهِدَيْنِ الْمُعَيَّنَيْنِ فَعَدَلَ عَنْ إِشْهَادِهِمَا إِلَى إِشْهَادِ غَيْرِهِمَا كَانَ خِيَارُ الْبَائِعِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ، والله أعلم بالصواب.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي رَدُّ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ نَقْصٌ يَكُونُ لَهُ بِهِ الْخِيَارُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، إِذَا شَرَطَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي عَقْدِ الْبَيْعِ رَهْنًا مُعَيَّنًا أَوْ ضَمِينًا مَعْرُوفًا ثُمَّ امْتَنَعَ مِنْ قَبْضِ الرَّهْنِ أَوْ قَبُولِ الضَّمَانِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْقَبْضِ أَوِ الْقَبُولِ لِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ لَهُ، وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي فِي فَسْخِ الْبَيْعِ بِامْتِنَاعِ الْبَائِعِ مِنْ قَبْضِ الرَّهْنِ وَقَبُولِ الضَّمَانِ وَقَالَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ: لِلْمُشْتَرِي فَسْخُ الْبَيْعِ فِي امْتِنَاعِ الْبَائِعِ مِنْ قَبُولِ الضَّمَانِ وَلَيْسَ لَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ فِي امْتِنَاعِهِ مِنْ قَبْضِ الرَّهْنِ.
وَقَالَ أبو حنيفة: لِلْمُشْتَرِي فَسْخُ الْبَيْعِ فِي امْتِنَاعِهِ مِنْ قَبْضِ الرَّهْنِ وَلَيْسَ لَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ فِي امْتِنَاعِهِ مِنْ قَبُولِ الضَّمَانِ.
وَبَنَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذَلِكَ عَلَى أَصْلِهِ فَأَمَّا أبو حنيفة فَلِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الْمَرْهُونَ مَضْمُونٌ عَلَى مُرْتَهِنِهِ، فَإِذَا امْتَنَعَ الْمُرْتَهِنُ مَنْ قَبْضِهِ صَارَ مُمْتَنِعًا مِمَّا شَرَطَ عَلَيْهِ مِنْ أَخْذِهِ بِحَقِّهِ فَثَبَتَ لِلرَّاهِنِ الْخِيَارُ. وَأَمَّا دَاوُدُ فَلِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الضَّمَانَ يُسْقِطُ الْحَقَّ مِنْ ذِمَّةِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، فَإِذَا امْتَنَعَ الْبَائِعُ مِنْ قَبُولِ الضَّمَانِ صَارَ مُمْتَنِعًا مِنْ نَقْلِ حَقِّهِ مِنْ ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي، وَشَرْطُ الضَّمَانِ قَدْ أَلْزَمَهُ بِنَقْلِ حَقِّهِ فَثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ، وَكِلَا الْأَصْلَيْنِ عِنْدَنَا غَيْرُ مُسَلَّمٍ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِمَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
ثُمَّ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِمَا أَنَّهَا وَثِيقَةٌ فِي الْحَقِّ فَلَمْ يَكُنْ تَرْكُ قَبُولِهَا مُوجِبًا لِخِيَارِ مَنْ عَلَيْهِ