أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَهْرَ لَا يَسْقُطُ تَغْلِيبًا لِقَوْلِ الزوجة لاستصحابها ظاهر العدالة.
والوجه الثاني: قد سقط الْمَهْرُ تَغْلِيبًا لِقَوْلِ الزَّوْجِ لِاسْتِصْحَابِهِ أَنْ لَا عقد بينهما والله أعلم.
[فصل]
فإذا تَصَادَقَ الزَّوْجَانِ أَنَّهُمَا تَنَاكَحَا بِوِلَايَةِ الْأَبِ وَأَنَّ الْأَبَ زَوَّجَهَا مِنْهُ وَأَنْكَرَ الْأَبُ أَنْ يَكُونَ زَوَّجَهَا فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ بِتَصَادُقِهِمَا وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ إِنْكَارُ الْأَبِ أَنَّهُ مَا عَقَدَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا لَا لِلْأَبِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ إِنْكَارُ الْأَبِ، وَهَكَذَا لَوْ تَصَادَقَا أَنَّهُمَا عَقَدَاهُ بِشَاهِدَيْنِ هُمَا زَيْدٌ وَعَمْرٌو، فَأَنْكَرَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو أَنْ يَكُونَا حَضَرَاهُ فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ بِتَصَادُقِ الزَّوْجَيْنِ وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ إِنْكَارُ الشَّاهِدِينَ، لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ لِلزَّوْجَيْنِ دُونَ الشَّاهِدَيْنِ.
فَصْلٌ
وَلَا يَصِحُّ النِّكَاحُ بِحُضُورِ الشَّاهِدِينَ حَتَّى يَسْمَعَا لَفْظَ الْوَلِيِّ بِالْبَذْلِ وَلَفْظَ الزَّوْجِ بِالْقَبُولِ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ فَإِنْ سَمِعَا مَعَ الْبَذْلِ وَالْقَبُولِ ذِكْرَ الصَّدَاقِ شَهِدَا بِهِ وَبِالْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعَا ذِكْرَ الصَّدَاقِ شَهِدَا بِالْعَقْدِ دُونَ الصَّدَاقِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَا بِالصَّدَاقِ بِظَاهِرِ الْأَخْبَارِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ.
[مسألة]
قال الشافعي: " ولو كَانَتْ صَغِيرَةً ثَيِّبًا أُصِيْبَتْ بنكاحٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا تُزَوَّجُ إِلَّا بِإِذْنِهَا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ. وَالنِّسَّاءُ ضَرْبَانِ: أَبْكَارٌ، وَثَيِّبٌ.
فَأَمَّا الْأَبْكَارُ فَقَدْ مَضَى حُكْمُهُنَّ وَسَنَذْكُرُهُ مِنْ بَعْدُ.
وَأَمَّا الثَّيِّبُ فَضَرْبَانِ: عَاقِلَةٌ، وَمَجْنُونَةٌ.
فَأَمَّا الْعَاقِلَةُ فَضَرْبَانِ: صَغِيرَةٌ وَكَبِيرَةٌ فَأَمَّا الْكَبِيرَةُ فَلَا يَجُوزُ إِجْبَارُهَا وَلَا تَزْوِيجُهَا إِلَّا بِاخْتِيَارِهَا وَعَنْ إِذْنِهَا سَوَاءً كَانَ وَلِيِّهُا أَبًا أَوْ عُصْبَةً، وَإِذْنُهَا النُّطْقُ الصَّرِيحُ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا الثَّيِّبُ الصَّغِيرَةُ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ أَوْلِيَائِهَا أَبًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا إِلَّا بَعْدَ بُلُوغِهَا وَإِذْنِهَا، فَإِنْ زَوَّجَهَا قَبْلَ الْبُلُوغِ بِإِذْنٍ أَوْ بِغَيْرِ إِذْنٍ كَانَ النِّكَاحُ بَاطِلًا.
وَقَالَ أبو حنيفة: يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَهَا جَمِيعُ أَوْلِيَائِهَا قَبْلَ الْبُلُوغِ فَإِنْ زَوَّجَهَا أَبُوهَا فَلَا خِيَارَ لَهَا إِذَا بَلَغَتْ وَإِنْ زَوَّجَهَا غَيْرُ أَبِيهَا مِنَ الْعَصَبَاتِ كانت بالخيار إذا بلغت بين المقام والفسخ. وَقَالَ أبو يوسف: لَا خِيَارَ لَهَا فِي تَزْوِيجِ الْعَصَبَاتِ كَمَا لَمْ يَكُنْ لَهَا الْخِيَارُ فِي تَزْوِيجِ الْأَبِ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى جَوَازِ تَزْوِيجِهَا قَبْلَ الْبُلُوغِ بِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْكِحُوا الأيَامَى مِنْكُمْ) {النور: ٣٢) وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ ثَبَتَتْ عَلَيْهِ الْوِلَايَةُ فِي مَالِهِ جَازَ إِجْبَارُهُ عَلَى النِّكَاحِ كَالْبِكْرِ الصَّغِيرَةِ وَكَالْغُلَامِ وَلِأَنَّ لَهَا مَنْفَعَتَيْنِ اسْتِخْدَامٌ، واستمتاع، فلما كان لولي العقد على استخدام منفعتها بالإجازة جَازِ لَهُ الْعَقْدُ عَلَى مَنْفَعَةِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا بالنكاح.
وتحريره: أنها إحدى منفعتيها فجاز العقد عليها قبل بلوغها كالإجازة.