وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ اسْتِمْتَاعًا، كَأَنَّهُ لُبْسٌ، وَتَطَيُّبٌ. فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَنْصُوصُهُ، أَنَّ عَلَيْهِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ فِدْيَةً، لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ قَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَلَيْهِ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ، لذا فَعَلَهُ فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ، فَكَانَ جِنْسًا وَاحِدًا، وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ إِتْلَافًا، فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُ كَفَّارَةٌ، وَإِنْ كَانَ الْإِتْلَافُ جِنْسًا وَاحِدًا، فَكَذَا الِاسْتِمْتَاعُ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُ إِتْلَافًا، وَبَعْضُهُ اسْتِمْتَاعًا كَأَنَّهُ حَلَقَ، وَتَطَيَّبَ، فَعَلَيْهِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ فِدْيَةٌ لَا يَخْتَلِفُ.
فَصْلٌ
: إِنْ كَانَ مَا تَكَرَّرَ مِنَ الْفِعْلِ، جِنْسًا وَاحِدًا، كَأَنَّهُ لَبِسَ ثُمَّ لَبِسَ، أَوْ تَطَيَّبَ، ثُمَّ تَطَيَّبَ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مُتَوَالِيًا فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ، كَأَنَّهُ لَبِسَ قَمِيصًا، ثُمَّ سَرَاوِيلَ، ثُمَّ عِمَامَةً، فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ إِذَا كَانَ مُتَّصِلًا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، كَانَ فِعْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ تَكَرَّرَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: وَاللَّهِ لَا أَكَلْتُ الْيَوْمَ إِلَّا مَرَّةً، فَابْتَدَأَ بِالْأَكْلِ، ثُمَّ اسْتَدْامَهُ إِلَى آخِرِ الْيَوْمِ لَمْ يَحْنَثْ سِوَى قَطْعِ ذَلِكَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي أَوْقَاتٍ شَتَّى؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ بِاللِّبَاسِ، لَا بِالْخَلْعِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُتَفَرِّقًا فِي أَزْمَانٍ شَتَّى، كَأَنَّهُ لَبِسَ قَمِيصًا، ثُمَّ صَبَرَ زَمَانًا طَوِيلًا، أَوْ فِي يَوْمٍ غَيْرِهِ، ثُمَّ لَبِسَ سَرَاوِيلَ، ثُمَّ لَبِسَ بَعْدَهُ بِزَمَانٍ طَوِيلٍ عِمَامَةً، ثُمَّ لَبِسَ بَعْدَ ذَلِكَ خُفَّيْنِ، فَإِنْ لَبِسَ الثَّانِيَ بَعْدَ أَنْ كَفَّرَ عَنِ الْأَوَّلِ، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ ثَانِيَةٌ، لَا يَخْتَلِفُ، وَكَذَلِكَ فِي اللُّبْسِ الثَّالِثِ، وَالرَّابِعِ، وَإِنْ لَبِسَ الثَّانِيَ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ عَنِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ كَذَلِكَ فِي الثَّالِثِ، وَالرَّابِعِ، فَهَلْ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ كَفَارَّةٌ وَاحِدَةٌ، أَوْ فِي كُلِّ لُبْسَةٍ مِنْ ذَلِكَ كَفَّارَةٌ عَلَى قَوْلَيْنِ مَنْصُوصَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ: عَلَيْهِ لِكُلِّ ذَلِكَ كَفَارَّةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَاتِ كَالْحُدُودِ. لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْحُدُودُ كَفَّارَاتٌ لِأَهْلِهَا "، ثُمَّ يُثْبِتُ أَنَّ الْحُدُودَ تَتَدَاخَلُ، وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ فِي أَوْقَاتٍ، فَكَذَا الكفارة تجب أَنْ تَتَدَاخَلَ، وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ فِي أَوْقَاتٍ وَلِأَنَّهُ جِنْسُ اسْتِمْتَاعٍ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَدَاخَلَ كَمَا لَوْ كَانَ مُتَوَالِيًا.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: نَصَّ عَلَيْهِ في الجديد: وأن عَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ كَفَّارَةٌ؛ لِأَنَّهَا أَفْعَالٌ، لَوْ كَفَّرَ عَمَّا قَبْلَهَا لَزِمَهُ التَّكْفِيرُ عَنْهَا، فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ التَّكْفِيرُ عَنْهَا، وَإِنْ لَمْ يُكَفِّرْ عَمَّا قَبْلَهَا، كَالْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَلِأَنَّهَا أَفْعَالٌ، لَوْ كَانَتْ أَجْنَاسًا لَزِمَهُ التَّكْفِيرُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، فَوَجَبَ لَمَّا كَانَتْ جِنْسًا وَاحِدًا أَنْ يَلْزَمَهُ التَّكْفِيرُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا كَمَا لَوْ كَفَّرَ عَمَّا قَبْلَهَا.
: فَإِذَا تَقَرَّرَ تَوْجِيهُ الْقَوْلَيْنِ، فَإِنْ قُلْنَا بِقَوْلِهِ فِي الْجَدِيدِ: إِنَّ عَلَيْهِ لِكُلِّ لُبْسَةٍ فِدْيَةً، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَتَّفِقَ أَسْبَابُ اللُّبْسِ، أو تختلف.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute