وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ طُهْرٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ لِإِمْكَانِ الْحَيْضِ فِيهِ مَعَ وُجُودِ الدَّمِ، وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي الْعَبَّاسِ، فَتُصَلِّي وَلَا تَقْضِيَ وَتَصُومُ وَتَقْضِي؛ لِأَنَّ الْحَائِضَ يَلْزَمُهَا قَضَاءُ الصِّيَامِ وَلَا يَلْزَمُهَا قَضَاءُ الصَّلَاةِ فَأُمِرَتْ بِالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ؛ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ طَاهِرًا، وَأُمِرَتْ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، خَوْفًا مِنْ أَنْ تَكُونَ حَائِضًا، وَيُمْنَعُ الزَّوْجُ مِنْ إِتْيَانِهَا، وَكَذَا تُمْنَعُ مِنَ الْقِرَاءَةِ وَحَمْلِ الْمُصْحَفِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ فَهَذَا حُكْمُ الْمُبْتَدَأَةِ.
(فَصْلٌ)
: وَأَمَّا النَّاسِيَةُ فَتَنْقَسِمُ حَالُهَا ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ نَاسِيَةً لِقَدْرِ حَيْضِهَا وَوَقْتِهِ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ نَاسِيَةً لِقَدْرِ حَيْضِهَا ذَاكِرَةً لِوَقْتِهِ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ نَاسِيَةً لِوَقْتِ حَيْضِهَا ذَاكِرَةً لِقَدْرِهِ.
فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ وَهُوَ النَّاسِيَةُ لِقَدْرِ حَيْضِهَا وَوَقْتِهِ، فَصُورَتُهُ فِي امْرَأَةٍ اتَّصَلَ دَمُهَا وَاسْتَدَامَ وَهُوَ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَتَمَيَّزُ ولها عادة في الحيض سالفة، قَدْ نَسِيَتْ قَدْرَهَا، وَلَا تَعْلَمُ هَلْ كَانَ يَوْمًا أَوْ خَمْسًا أَوْ عَشْرًا أَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَنَسِيَتْ وَقْتَهَا فَلَا تَعْلَمُ هَلْ كَانَ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ أَوْ وَسَطِهِ أَوْ فِي آخِرِهِ؟ هَلْ كَانَتْ تَحِيضُ فِي كُلِّ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ أَوْ فِي كُلِّ سَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ، فَهَذِهِ يُسَمِّيهَا أَصْحَابُنَا الْمُتَحَيِّرَةُ لِإِشْكَالِ أَمْرِهَا وَتَرَدُّدِهَا بَيْنَ أَمْرَيْنِ مُتَبَايِنَيْنِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَقَدْ كَانَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَغْلَطُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَيُخْرِجُهَا عَلَى قَوْلَيْنِ كَالْمُبْتَدَأَةِ لَمَّا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ حَيْثُ يَقُولُ فِي كِتَابِ الْعَدَدِ " وَإِذَا ابْتَدَأَتْ مُسْتَحَاضَةً أَوْ نَسِيَتْ أَيَّامَ حَيْضِهَا تَرَكَتِ الصَّلَاةَ لِأَقَلِّ مَا تَحِيضُ لَهُ النِّسَاءُ، وَذَلِكَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ " فَظَنَّ أَنَّهُ أَرَادَ هَذِهِ النَّاسِيَةَ وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ زَمَانِ حَيْضِهَا مَجْهُولٌ، فَلَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِ الِاجْتِهَادِ مَعَ الْجَهْلِ بِالزَّمَانِ، وَلِأَصْحَابِنَا عَمَّا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْعَدَدِ جَوَابَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْمُبْتَدَأَةِ وَالنَّاسِيَةِ، وَعَطَفَ بِالْجَوَابِ عَلَيْهِمَا مُرِيدًا لِلْمُبْتَدَأَةِ دُونَ النَّاسِيَةِ وَكَثِيرًا مَا يَفْعَلُ الشَّافِعِيُّ مِثْلَ هَذَا.
وَالْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّهُ أَرَادَ النَّاسِيَةَ لِقَدْرِ حَيْضِهَا إِذَا كَانَتْ ذَاكِرَةً لِوَقْتِهِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ.
فَأَمَّا النَّاسِيَةُ لِلْأَمْرَيْنِ قَدْرًا وَوَقْتًا، فَهِيَ مَجْهُولَةُ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ، وَهِيَ فِي مَحْظُورَاتِ الْحَيْضِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ.
قِسْمٌ يَجِبُ عَلَيْهَا اجتنابه، وقسم يجب عليها فعله، وقسم يختلف فيه.
فأما القسم الذي يلزمها اجتنابه فهو حمل المصحف أو دخول الْمَسْجِدِ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute