للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْعِرَاقِ: لَا يَسْتَقِرُّ النُّكُولُ إِلَّا بِأَنْ يَعْرِضَهُ عَلَيْهِ ثَلَاثًا هِيَ حَدُّ الِاسْتِظْهَارِ.

وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا بَعْدَ اسْتِقْرَارِ النُّكُولِ هَلْ يَفْتَقِرُ إِلَى حُكْمِ الْقَاضِي بِهِ قَبْلَ رَدِّ الْيَمِينِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَرُّدُ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَقُولَ لِلْمُنْكِرِ قَدْ حَكَمْتُ عَلَيْكَ بِالنُّكُولِ لِمَا فِيهِ مِنَ الِاجْتِهَادِ فَإِنْ رَدَّهَا عَلَيْهِ قَبْلَ حُكْمِهِ بِهِ لَمْ يَصِحَّ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى الْمُدَّعِي وَإِنْ لَمْ يَقُلْ قَدْ حَكَمْتُ عَلَيْكَ بِالنُّكُولِ، لِأَنَّ رَدَّهَا عَلَيْهِ حُكْمٌ بِالنُّكُولِ.

فَلَوْ بَذَلَ الْمُنْكِرُ الْيَمِينَ بَعْدَ الْحُكْمِ بِنُكُولِهِ لَمْ يَجُزْ إِحْلَافُهُ لِانْتِقَالِ الْيَمِينِ إِلَى الْمُدَّعِي.

فَإِنْ حَلَفَ الْمُدَّعِي حَكَمَ لَهُ، وَإِنِ اسْتَمْهَلَ لِلنَّظَرِ فِي حِسَابِهِ أُمْهِلَ.

وَإِنْ تَوَقَّفَ عَنِ الْيَمِينِ لِغَيْرِ اسْتِمْهَالٍ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ فِي يَمِينِ النُّكُولِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ: يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ كَمَا حَكَمَ عَلَى الْمُنْكِرِ بِالنُّكُولِ، فَإِنْ رَامَ أَنْ يَحْلِفَ بَعْدَ الْحُكْمِ بِنُكُولِهِ لَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ رَامَهُ الْمُنْكِرُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ أَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ، وَإِنْ حَكَمَ عَلَى الْمُنْكِرِ بِالنُّكُولِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ نُكُولَ الْمُنْكِرِ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ لِغَيْرِهِ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِنُكُولِ الْمُدَّعِي حَقٌّ لِغَيْرِهِ، وَيَكُونُ له أن يحلف متى شاء ويستحق.

(حُضُورُ الْخَصْمِ قَبْلَ نُفُوذِ الْحُكْمِ وَاطِّرَادُهُ جَرْحَ الشهود)

[(مسألة)]

: قال الشافعي: " وَيَنْبَغِي إِذَا حَضَرَ أَنْ يَقْرَأَ عَلَيْهِ مَا شَهِدُوا بِهِ عَلَيْهِ وَيَنْسَخُهُ أَسْمَاءَهُمْ وَأَنْسَابَهُمْ وَيَطْرُدُهُ جَرْحَهُمْ فِإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ حَكَمَ عَلَيْهِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهَا مُصَوَّرَةٌ فِي حَاضِرٍ سُمِعَتِ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ قَبْلَ جَوَابِهِ عَنِ الدَّعْوَى، وَهَذَا قَوْلُ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ مِنْهُمْ، فَإِذَا حَضَرَ مَجْلِسَ الْحُكْمِ بَعْدَ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ أَعْلَمَهُ الْقَاضِي أَسْمَاءَ الشُّهُودِ، وَأَطْرَدَهُ جَرْحَهُمْ، فَإِنْ أَثْبَتَ مَا يُوجِبُ سُقُوطَ شَهَادَتِهِمْ أَسْقَطَهَا، وَإِلَّا حَكَمَ بِهَا وَأَمْضَاهَا.

وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ هِيَ مُصَوَّرَةٌ فِي غَائِبٍ سُمِعَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ ثم قدم نفوذ الحكم

<<  <  ج: ص:  >  >>