للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[مسألة]

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " فَإِنْ سَلَّمَ بَعْضُهُمْ لَمْ يَكُنْ لبعضٍ إِلَّا أَخْذُ الْكُلِّ أَوِ التَّرْكُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ. لَا يَجُوزُ لِلشُّفَعَاءِ أَنْ يُفَرِّقُوا صَفْقَةَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ ضَرَرًا بِإِدْخَالِ مِثْلِهِ مِنَ الضَّرَرِ، فَإِذَا عَفَا أَحَدُ الشُّفَعَاءِ الثَّلَاثَةِ كَانَ لِلْآخَرَيْنِ أَنْ يَأْخُذَا جَمِيعَ الشِّقْصِ أَوْ يَعْفُوَا عَنْهُ. وَلَوْ عَفَا اثْنَانِ فَكَانَ لِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَهُ، أَوْ يَعْفُوَ عَنْهُ، فَلَوْ أَخَذَهَا الْحَاضِرُ مِنَ الثَّلَاثَةِ ثُمَّ رَدَّهَا بِعَيْبٍ كَانَ لِمَنْ قَدِمَ مِنَ الْغَائِبَيْنِ أَنْ يَأْخُذَ الْكُلَّ أَوْ يَذَرَ لِأَنَّ رَدَّ الْحَاضِرِ بِالْعَيْبِ كَالْعَفْوِ عَنِ الشُّفْعَةِ، فَلَوْ كَانَ الشَّفِيعُ وَاحِدًا أَخَذَ جَمِيعَ الشِّقْصِ، أَوْ يَعْفُو عَنْهُ وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا يَكُونُ عَفْوًا. فَأَمَّا إِنْ ضَمِنَ الشَّفِيعُ عَنِ الْمُشْتَرِي ثَمَنَ الشِّقْصِ لِلْبَائِعِ بِأَمْرِ الْمُشْتَرِي صَحَّ الشِّرَاءُ، وَلَزِمَ الضَّمَانُ، وَكَانَ الشَّفِيعُ عَلَى شُفْعَتِهِ، وَلَا يَكُونُ ضَمَانُهُ لِلثَّمَنِ تَسْلِيمًا لِلشُّفْعَةِ، وَهَكَذَا لَوْ ضَمِنَ الشَّفِيعُ عَنِ الْبَائِعِ دَرَكَ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي بِأَمْرِ الْبَائِعِ، أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ صَحَّ الشِّرَاءُ، وَلَزِمَ الضَّمَانُ وَكَانَ الشَّفِيعُ عَلَى شُفْعَتِهِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ تَسْلِيمًا لِلشُّفْعَةِ.

وَهَكَذَا لَوْ شَرَطَ الْبَائِعُ خِيَارَ الشَّفِيعِ، فَاخْتَارَ الشَّفِيعُ إِمْضَاءَ الْبَيْعِ، كَانَ لَهُ الشُّفْعَةُ، وَقَالَ أبو حنيفة لَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ تَسْلِيمًا مِنْهُ لَهَا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ بِهِ قَدْ تَمَّ فَكَانَ هُوَ الْبَائِعَ. وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّ شُفْعَةَ الشَّفِيعِ مُسْتَحَقَّةٌ بِتَمَامِ الْبَيْعِ فَإِنْ فَعَلَ مَا يَتِمُّ بِهِ الْبَيْعُ كَانَ أَوْلَى أَنْ تَجِبَ لَهُ الشُّفْعَةُ فَعَلَى هَذَا لَوْ ضَمِنَ الثَّمَنَ، فَطَالَبَهُ الْبَائِعُ بِهِ، فَغَرِمَهُ لَهُ، ثُمَّ أَخَذَ الشِّقْصَ بِالشُّفْعَةِ نَظَرَ: فَإِنْ كَانَ ضَمَانُهُ لِلثَّمَنِ بِأَمْرِ الْمُشْتَرِي، فَقَدْ بَرِئَ الشَّفِيعُ مِمَّا اسْتَحَقَّهُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ لِأَنَّهُ قَدَّمَ تَعْجِيلَهُ عَنْهُ إِلَى الْبَائِعِ، وَإِنْ كَانَ ضَمَانُهُ لِلثَّمَنِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمُشْتَرِي لَمْ يَبْرَأْ بِمَا اسْتَحَقَّهُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ مِنَ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ تَطَوَّعَ بِغُرْمِهِ لِلْبَائِعِ وَيُحْكُمُ بِدَفْعِهِ ثَانِيَةً إِلَى الْمُشْتَرِي، وَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ ضَمِنَ لِلْمُشْتَرِي دَرَكَ الْمَبِيعِ ثُمَّ أَخَذَ مِنْهُ الشِّقْصَ بِشُفْعَتِهِ ثُمَّ اسْتُحِقَّ مِنْ يَدِهِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُشْتَرِي بِعُهْدَتِهِ، لِأَنَّ المشتري إِذَا اسْتُحِقَّ مِنْ يَدِهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الشَّفِيعِ بِعُهْدَتِهِ.

فَصْلٌ

: فَإِذَا وَكَّلَ الشَّفِيعُ فِي الشِّرَاءِ فَاشْتَرَى لِمُوَكِّلِهِ وَجَبَتْ لَهُ الشُّفْعَةُ فِيمَا اشتراه وبما قَالَ أبو حنيفة وَلَوْ وَكَّلَ فِي الْبَيْعِ فَبَاعَ لِمُوَكِّلِهِ وَجَبَتْ لَهُ الشُّفْعَةُ فِيمَا بَاعَهُ، وَقَالَ أبو حنيفة لَا شُفْعَةَ لَهُ فَأَوْجَبَهَا فِيمَا اشْتَرَاهُ وَلَمْ يُوجِبْهَا فِيمَا بَاعَهُ. وَهَذَا خَطَأٌ لِثَلَاثَةِ أُمُورٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ الْبَيْعَ يَتِمُّ بِبَائِعٍ ومشترٍ، ثُمَّ لَمْ يَمْنَعُ كَوْنُهُ مُشْتَرِيًا لِغَيْرِهِ مِنْ ثُبُوتِ شُفْعَتِهِ، وَيَجِبُ أَنْ لَا يَمْنَعَ كَوْنُهُ بَائِعًا لِغَيْرِهِ مِنْ ثُبُوتِ شُفْعَتِهِ. وَالثَّانِي: أَنَّ وُجُوبَ الشُّفْعَةِ بَعْدَ إِبْرَامِ الْبَيْعِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ مَا تَقَدَّمَ كَالْعَفْوِ، وَالثَّالِثُ: أَنَّ بَيْعَهُ حِرْصٌ مِنْهُ عَلَى ثُبُوتِ شُفْعَتِهِ فَإِذَا ثبت هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>