وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ لَا يَزِيدُوا عَلَى عَدَدِ الْبَيِّنَةِ، وَيَرْجِعُ مَنْ زَادَ عَلَيْهَا كَأَرْبَعَةِ رِجَالٍ يَرْجِعُ مِنْهُمُ اثْنَانِ، فَفِي الرُّجُوعِ عَلَى الرَّاجِعِينَ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ: لَا رُجُوعَ عَلَيْهِمَا لِكَمَالِ الْبَيِّنَةِ بِغَيْرِهِمَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ حَكَاهُ عَنْهُ أَصْحَابُهُ: يَرْجِعُ عَلَيْهِمَا، لِأَنَّ الْحَقَّ لَمْ يَتَعَيَّنْ بِشَهَادَةِ غَيْرِهِمَا فَلَزِمَهُمَا نِصْفُ الدَّيْنِ، لِأَنَّهمَا نِصْفُ الْبَيِّنَةِ.
فَلَوْ شَهِدَتْ مَعَ الْأَرْبَعَةِ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ ثُمَّ رَجَعَتِ الْمَرْأَةُ مِنَ الرَّجُلَيْنِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمَرْأَةِ، لِأَنَّها إِذَا انْفَرَدَتْ لَمْ تَدْخُلْ فِي جُمْلَةِ الْبَيِّنَةِ.
وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ: أَنْ يَزِيدُوا عَلَى عَدَدِ الْبَيِّنَةِ وَيَرْجِعُ الزَّائِدُ عَلَى الْبَيِّنَةِ وَبَعْضُ الْبَيِّنَةِ كَالثَّلَاثَةِ إِذَا رَجَعَ مِنْهُمُ اثْنَانِ وَجَبَ الرُّجُوعُ عَلَيْهِمَا وَفِي قَدْرِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَرْجِعُ عَلَيْهِمَا بِنِصْفِ الدَّيْنِ، لِأَنَّه قَدْ بَقِيَ نِصْفُ الْبَيِّنَةِ وَهَذَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُسْقِطُ الرجوع عليهم إذا بقي بعدهم عدد البينة، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِمَا بِثُلُثَيِ الدَّيْنِ، لِأَنَّهمَا ثُلُثَا الْبَيِّنَةِ، وَهَذَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُوجِبُ الرجوع عليهم إذا بقي بعدهم عدد البينة، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ الْمُزَنِيِّ.
فَلَوْ كَانُوا رَجُلَيْنِ وَامْرَأَتَيْنِ فَرَجَعَ مِنْهُمْ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ، فَفِي قَدْرِ الرُّجُوعِ عَلَيْهِمْ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يُرْجَعُ عَلَيْهِمَا بِرُبُعِ الدَّيْنِ، لِأَنَّه قَدْ بَقِيَ بِالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْبَيِّنَةِ، وَيَتَحَمَّلُ الرَّجُلُ مِنَ الرُّبُعِ ثُلُثَيْهِ وَهُوَ سُدُسُ الدَّيْنِ وَتَتَحَمَّلُ الْمَرْأَةُ ثُلُثَهُ وَهُوَ نِصْفُ السُّدُسِ مِنَ الدَّيْنِ، وَهُوَ قِيَاسُ ابْنِ سُرَيْجٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الدَّيْنِ، لِأَنَّهمَا نِصْفُ الْبَيِّنَةِ، فَيَتَحَمَّلُ الرَّجُلُ ثُلُثَيِ النِّصْفِ وَهُوَ ثُلُثُ الدَّيْنِ، وَتَتَحَمَّلُ الْمَرْأَةُ ثُلُثَهُ. وَهُوَ سُدُسُ الدَّيْنِ، وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ الْمُزَنِيِّ.
( [الْقَوْلُ فِي اخْتِلَافِ الشُّهُودِ فِي قَدْرِ الدَّيْنِ وَرُجُوعِهِمْ عَنْهُ] )
(فَصْلٌ)
: وَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ مَالًا فَشَهِدَ لَهُ شَاهِدٌ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَشَهِدَ لَهُ شَاهِدٌ ثَانٍ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَشَهِدَ لَهُ شَاهِدٌ ثَالِثٌ بِثَلَاثِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَشَهِدَ لَهُ رَابِعٌ بِأَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَقَدْ قَامَتِ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِثَلَاثِمِائَةِ دِرْهَمٍ، لِأَنَّ الْمِائَةَ الرَّابِعَةَ شَهِدَ بِهَا شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَلَمْ تَثْبُتْ. فَإِنْ رَجَعَ الشُّهُودُ الْأَرْبَعَةُ بَعْدَ الْغُرْمِ، رَجَعَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِمَا غَرِمَهُ وَهُوَ ثَلَاثُمِائَةٍ. وَيَخْتَلِفُ قَدْرُ مَا يُرْجَعُ بِهِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ عَنْهُمْ بِاخْتِلَافِ مَا شَهِدُوا