للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَكَرْنَاهُمَا. وَلَوْ عَيَّنَ الْجَارِحَ فِي الْعَقْدِ كَانَ أَوْلَى لِاخْتِلَافِهَا فِي الضَّرَاوَةِ وَالتَّعْلِيمِ وَإِنْ لَمْ يعنيه وَأَطْلَقَ ذِكْرَ الْجِنْسِ بَعْدَ وَصْفِهِ بِالتَّعْلِيمِ صَحَّ.

وَالشَّرْطُ الثَّانِي: ذِكْرُ مَا يُرْسَلُ عَلَيْهِ مِنَ الصَّيْدِ مِنْ غَزَالٍ أَوْ ثَعْلَبٍ أَوْ حِمَارِ وَحْشٍ لِأَنَّ لِكُلِّ صَيْدٍ مِنْ ذَلِكَ أَثَرًا فِي إِتْعَابِ الْجَارِحِ فَإِنْ شَرَطَا جِنْسًا فَأَرْسَلَهُ عَلَى غَيْرِهِ جَازَ إِنْ كَانَ مِثْلَهُ أَوْ أَقْرَبَ وَإِنْ كَانَ أَصْعَبَ صَارَ مُتَعَدِّيًا وَضَمِنَ الْجَارِحَ إِنْ هَلَكَ وَأُجْرَةُ تَعَدِّيهِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ.

وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ مَعْلُومَ الْقَدْرِ وَلَا يَتَقَدَّرُ ذَلِكَ إِلَّا بِالزَّمَانِ كَاشْتِرَاطِهِ اصْطِيَادَ شَهْرٍ فَأَمَّا تَقْدِيرُهُ بِأَعْدَادِ مَا يَصْطَادُ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ قَدْ يَعِنُّ لَهُ الصَّيْدُ وَلَا يَعِنُّ وَقَدْ يَصِيدُ إِذَا عَنَّ وَقَدْ لَا يَصِيدُ فَهَذَا تَفْصِيلُ مَا تُكْرَى لَهُ الْبَهَائِمُ مِنَ الْمَنَافِعِ الْمَأْلُوفَةِ.

فَصْلٌ

: فَأَمَّا آلَةُ الرُّكُوبِ وَالْحَمُولَةِ إِذَا أَطْلَقَ اشْتِرَاطَهَا عَلَى أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ مِنَ الْمُكْرِي وَالْمُكْتَرِي فَيَنْظُرُ فِيهَا فَمَا كَانَ مِنْهَا لِلتَّمْكِينِ مِنَ الرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ كَالْحَوِيَّةِ وَالْقَتَبِ وَالْأُكَافِ وَالْخِطَامِ فَكُلُّهُ عَلَى الْجَمَّالِ الْمُكْرِي لِأَنَّ الرُّكُوبَ لَا يُمْكِنُ إِلَّا بِهِ فَكَانَ مِنْ حُقُوقِ التَّمْكِينِ اللَّازِمَةِ لَهُ وَمَا كَانَ مِنْهَا لِتَوْطِيَةِ الْمَرْكُوبِ كَالْمَحْمَلِ وَالْوِطَاءِ وَالظِّلِّ وَمَا يُعَلَّقُ بِهِ الْمَحْمَلُ عَلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ مِنْ بَرْدَعَةٍ زَائِدَةٍ فَكُلُّ ذَلِكَ عَلَى الرَّاكِبِ الْمُكْتَرِي. فَأَمَّا الْحَبْلُ الَّذِي يُشَدُّ بَيْنَ الْمَحْمَلَيْنِ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فَفِيهِ لِأَصْحَابِنَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عَلَى الْجَمَّالِ الْمُكْرِي لِأَنَّهُ مِنْ آلَةِ التَّمْكِينِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ عَلَى الرَّاكِبِ الْمُكْتَرِي لِأَنَّهُ مِنْ آلَةِ الْمَحْمَلِ اللَّازِمِ لَهُ؛ فَأَمَّا الْحَبْلُ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ الْمَحْمَلُ عَلَى الْبَعِيرِ فَعَلَى الْجَمَّالِ الْمُكْرِي بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا لِأَنَّهُ مِنْ آلَةِ التَّمْكِينِ.

مَسْأَلَةٌ

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَإِنْ أَكْرَاهُ إِلَى مَكَّةَ فَشَرَطَ سَيْرًا مَعْلُومًا فَهُوَ أَصَحُّ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ فَالَذِي أَحْفَظُهُ أَنَّ السَّيْرَ مَعْلُومٌ عَلَى الْمَرَاحِلِ لِأَنَّهَا الْأَغَلْبُ مِنْ سَيْرِ النَّاسِ كَمَا أَنَّ لَهُ مِنَ الْكِرَاءِ الْأَغْلَبَ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ وَأَيُّهُمَا أَرَادَ الْمُجَاوَزَةَ أَوِ التَّقْصِيرَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ السَّيْرَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَّصِلَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ وَقْتِ اسْتِرَاحَةِ وَوَقْتِ سَيْرٍ فَإِنْ شَرَطَا فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ قَدْرَ سَيْرِهَا فِي كُلِّ مَرْحَلَةٍ بِفَرَاسِخَ مَعْلُومَةٍ وَفِي وَقْتٍ مِنَ الزَّمَانِ مَعْلُومٍ كَأَوَّلِ النَّهَارِ أَوْ آخِرِهِ أَوْ أَوَّلِ اللَّيْلِ أَوْ آخِرِهِ أَوْ طَرَفَيِ النَّهَارِ صَحَّ الْعَقْدُ وَحُمِلَا عَلَى شَرْطِهِمَا سَوَاءٌ وَافَقَا فِيهِ عُرْفَ النَّاسِ أَوْ خَالَفَاهُ كَمَا لَوْ شَرَطَا فِي الْأُجْرَةِ نَقْدًا سَمَّيَاهُ صَحَّ بِهِ العقد سواء وافقا في الْأَغْلَبُ مِنْ نُقُودِ النَّاسِ أَوْ خَالَفَاهُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطَا سَيْرًا مَعْلُومًا فِي زَمَانٍ مَعْلُومٍ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ سَيْرُ النَّاسِ فِي طَرِيقِهِمْ مَعْلُومًا بِمَنَازِلَ قَدْ تَقَدَّرَتْ لَهُمْ عُرْفًا وَفِي زَمَانٍ قَدْ صَارَ لَهُمْ إِلْفًا كَمَنَازِلِ طَرِيقِ مَكَّةَ فِي وَقْتِنَا وَسَيْرُ الْحَاجِّ فِيهَا فِي أَوْقَاتٍ رَاتِبَةٍ صَحَّتِ الْإِجَارَةُ مَعَ إِطْلَاقِ السَّيْرِ وَحُمِلَا عَلَى عُرْفِ النَّاسِ فِي سَيْرِهِمْ قَدْرًا وَوَقْتًا وَإِنْ كَانَ سَيْرُ النَّاسِ مُخْتَلِفًا بَطَلَتِ الْإِجَارَةُ كَمَا أَنَّ إِطْلَاقَ النَّقْدِ فِي الْأُجْرَةِ يُوجِبُ حَمْلَهَا عَلَى الْأَغْلَبِ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ فَإِنْ كَانَ نَقْدُ النَّاسِ مُخْتَلِفًا بَطَلَتِ الْإِجَارَةُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>