فَإِنْ قِيلَ: فِي الْأَيَّامِ الَّتِي أَسْقَطْتُمُوهَا مِنْ صَوْمِهِ لِأَجْلِ التَّفْرِيقِ، لَمْ يَكُنْ فِيهَا مُفْطِرًا وَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الصَّوْمَيْنِ مُفَرَّقًا؟
قِيلَ الْوَاجِبُ هُوَ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الصَّوْمَيْنِ لَا الْفِطْرُ بَيْنَهُمَا، فَإِذَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا أَجْزَأَهُ، سَوَاءٌ كَانَ فِي زَمَانِ التَّفْرِقَةِ صَائِمًا أَوْ مُفْطِرًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُؤَدِّيًا لِهَذَا الصَّوْمِ فِي زَمَانِهِ فَصَامَ الثَّلَاثَةَ فِي الْحَجِّ وَأَرَادَ أَنْ يَصُومَ السَّبْعَةَ إِذَا رَجَعَ إِلَى بَلَدِهِ، فَصَامَ فِي طَرِيقِهِ فَرْضًا أَوْ تَطَوُّعًا. حَتَّى وَصَلَ إِلَى بَلَدِهِ، ثُمَّ عَقَّبَهُ بِصَوْمِ السَّبْعَةِ عَنْ تَمَتُّعِهِ أَجْزَأَهُ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مُجْزِئًا فِي الْأَدَاءِ كَانَ مُجْزِئًا فِي الْقَضَاءِ.
[مسألة]
: قال الشافعي رضي الله عنه: " فَإِنْ لَمْ يَصُمْ حَتَى مَاتَ تَصَدَّقَ عَمَّا أَمْكَنَهُ فَلَمْ يَصُمْهُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدًّا مِنْ حنطةٍ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ إِذَا مَاتَ قَبْلَ تَكْفِيرِهِ فَلَمْ يَخْلُ حَالُ مَوْتِهِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ.
إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ، أَوْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَ مَوْتُهُ قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مُعْسِرًا، فَإِنْ مَاتَ مُعْسِرًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ دَمٍ وَلَا صَوْمٍ، أَمَّا الدَّمُ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَأَمَّا الصَّوْمُ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُمْكِنْهُ، وَإِنْ مَاتَ مُوسِرًا فَفِي وُجُوبِ الدَّمِ عَلَيْهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا دَمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الدَّمَ إِنَّمَا وَجَبَ لِتَمَتُّعِهِ بِالْحَجِّ، وَإِذَا مَاتَ قَبْلَ كَمَالِ أَرْكَانِهِ لَمْ يَكْتَمِلْ لَهُ الْحَجُّ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الدَّمُ الْمُتَعَلِّقُ بِهِ غَيْرَ وَاجِبٍ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ أَصَحُّ، أَنَّ الدَّمَ وَاجِبٌ، وَهُوَ فِي مَالِهِ لَازِمٌ؛ لِأَنَّ الدَّمَ إِنَّمَا وَجَبَ بِدُخُولِهِ فِي الْحَجِّ، وَالدَّمُ إِذَا وَجَبَ فِي الْحَجِّ لَمْ يَسْقُطْ بِمَوْتِهِ قَبْلَ كَمَالِ الْحَجِّ كَدَمِ الوطئ وكفارة الأداء.
فَصْلٌ
: وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ، فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا يُكَفِّرُ بِالدَّمِ، فَالدَّمُ فِي مَالِهِ وَاجِبٌ، قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الدَّمِ قَدِ اسْتَقَرَّ بِكَمَالِ الْحَجِّ وَمَا اسْتَقَرَّ وُجُوبُهُ مِنْ حُقُوقِ الْأَمْوَالِ لَمْ يَسْقُطْ بِالْمَوْتِ كَالدُّيُونِ وَالزَّكَوَاتِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مُعْسِرًا، يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ، فَهَذَا عَلَى ضربين: