كما لو شهدت بينة بألف، وبينة بالألفين، حكم بألفين. وَالَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ: إِنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ مُتَعَارِضَتَانِ تَتَسَاوَى فِيهَا الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ، لِأَنَّ عَقْدَ الْكِرَاءِ بِعَشَرَةٍ يَمْنَعُ مِنْ عَقْدِهِ بِعِشْرِينَ، وَكَرَاءُ الْبَيْتِ بِعَشَرَةٍ يَمْنَعُ مِنْ كَرَاءِ الدَّارِ بِعِشْرِينَ، فَيَكُونُ تَعَارُضُهُمَا مَحْمُولًا عَلَى الْقَوْلَيْنِ، يُسْقَطَانِ مِنْ أَحَدِهِمَا وَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فِي الثَّانِي.
(فَصْلٌ)
: وَإِذَا تَنَازَعَ الْمُكْرِي، وَالْمُكْتَرِي، فِي شَيْءٍ مِنْ آلَةِ الدَّارِ، وَادَّعَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِلْكًا، لِنَفْسِهِ انْقَسَمَ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: مَا يَكُونُ الْقَوْلُ فِيهِ الْمُكْرِي وَهُوَ كُلُّ مَا كَانَ مُتَّصِلًا بِالدَّارِ من آلاتها، كالأبواب والدهليزات والرفوف المتصلة، والسلاليم الْمُسَمَّرَةِ، فَالْقَوْلُ فِي مِلْكِهَا قَوْلُ الْمُكْرِي، مَعَ يَمِينِهِ لِاتِّصَالِهَا بِالدَّارِ الَّتِي هُوَ مَالِكُهَا.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مَا يَكُونُ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْمُكْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ، وَهُوَ قُمَاشُ الدَّارِ وَفَرْشُهَا مِنَ الْبُسُطِ، وَالْحُصْرِ، وَالصَّنَادِيقِ، لِأَنَّه مِنْ آلَةِ السُّكْنَى وَالْمُكْتَرِي أَحَقُّ بِالسُّكْنَى.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا يَتَحَالَفَانِ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَا كَانَ مِنْ آلَةِ الدَّارِ منفصلا عن الدار كالرفوف، والسلاليم الْمُنْفَصِلَةِ، وَإِغْلَاقِ الْأَبْوَابِ، وَأَطْبَاقِ التَّنَانِيرِ فَالْعُرْفُ فِيهَا مُتَقَابِلٌ، وَالْيَدُ فِيهِ مُشْتَرَكَةٌ، فَيُجْعَلُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ تَحَالُفِهِمَا.
وَلَوْ كَانَتْ مُنْشَأَةً بَيْنَ نَهْرٍ وَضَيْعَةٍ فَادَّعَاهَا صَاحِبُ الْمَاءِ وَقَالَ: هِيَ الْجَامِعَةُ لِمَاءِ نَهْرِي، وَقَالَ صَاحِبُ الضَّيْعَةِ: هِيَ الْمَانِعَةُ لِلْمَاءِ عَنْ ضَيْعَتِي، فَهُمَا فِيهَا مُتَسَاوِيَانِ فَيَتَحَالَفَانِ عَلَيْهَا، وَتُجْعَلُ بَعْدَ الْأَيْمَانِ بَيْنَهُمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةٌ)
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوِ ادَعَى دَارًا فِي يَدَيْ رَجُلٍ فَقَالَ لَيْسَتْ بِمِلْكٍ لِي وَهِيَ لِفُلَانٍ فَإِنْ كَانَ حَاضِرًا صَيَّرْتُهَا لَهُ وَجَعَلْتُهُ خَصْمًا عَنْ نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا كُتِبَ إِقْرَارُهُ وَقِيلَ لِلمُدَعِي أَقِمِ الْبَيِّنَةَ فَإِنْ أَقَامَهَا قَضَى بِهَا عَلَى الَذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ وَيُجْعَلُ فِي الْقَضِيَّةِ أَنَّ الْمُقِرَ لَهُ بِهَا عَلَى حُجَّتِهِ (قَالَ الْمُزَنِيُّ) رَحِمَهُ اللَّهُ: قَدْ قُطِعَ بِالْقَضَاءِ عَلَى غَائِبٍ وَهُوَ أَوْلَى بِقَوْلِهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا فِي دَارٍ فِي يَدَيْ رَجُلٍ، يَتَصَرَّفُ فِيهَا فَادَّعَاهَا عَلَيْهِ رَجُلٌ، وَقَالَ: هِيَ لِي فَقَالَ صَاحِبُ الْيَدِ: لَيْسَتْ هَذِهِ الدَّارُ لِي، وَهِيَ لِغَيْرِي فَلَهُ حَالَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ من جعلها له.
وَالثَّانِي: أَنْ لَا يَذْكُرَ فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ مَنْ جَعَلَهَا لَهُ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ جَوَابًا.