للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَحَدُهُمَا: إِنَّ الشَّاهِدَ الْوَاحِدَ كَالْيَدِ عِنْدَ التَّنَازُعِ، وَلَوْ حَلَفَ بَعْضُ ذَوِي الْأَيْدِي حُكِمَ لَهُ بِيَمِينِهِ، دُونَ مَنْ نَكَلَ كَذَلِكَ هُنَا.

وَالثَّانِي: إِنَّ الشَّاهِدَ الْوَاحِدَ حُجَّةٌ، قَدْ قَبِلَهَا الْحَالِفُ، فَثَبَتَ حَقُّهُ بِهَا، وَرَدَّهَا النَّاكِلُ فَسَقَطَ حَقُّهُ مِنْهَا، وَصَارَ كَأَخَوَيْنِ ادَّعَيَا حَقًّا مِنْ مِيرَاثٍ عَلَى مُنْكِرٍ فَنَكَلَ عَنِ الْيَمِينِ، فَرُدَّتْ عَلَى الْأَخَوَيْنِ، فَحَلَفَ أَحَدُهُمَا، وَنَكَلَ الْآخَرُ، قَضَى لِلْحَالِفِ بِحَقِّهِ دُونَ النَّاكِلِ.

فَإِنْ قِيلَ: إِذَا كَانَ الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ بَيِّنَةً فِي ثُبُوتِ الْحَقِّ كَالشَّاهِدَيْنِ، وَلَوْ أَقَامَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ الْبَيِّنَةَ بِشَاهِدَيْنِ حُكِمَ بِالْحَقِّ لِمَنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ وَلِمَنْ لَمْ يُقِمْهَا، فَهَلَّا كَانَ فِي الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ كَذَلِكَ.

قِيلَ: لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ بَيِّنَةٌ كَامِلَةٌ فِي ثُبُوتِ الْحَقِّ، فَثَبَتَ لِجَمِيعِهِمْ، وَالشَّاهِدُ الْوَاحِدُ تَكْمُلُ بِهِ الْبَيِّنَةُ مَعَ أَيْمَانِهِمْ، فَكَمُلَتْ بَيِّنَةُ مَنْ حَلَفَ، وَنَقَصَتْ بِهِ بَيِّنَةُ مَنْ نَكَلَ فَلِذَلِكَ لَمْ يَسْتَحِقَّ النَّاكِلُ وَاسْتَحَقَّ الْحَالِفُ.

فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مِيرَاثٌ يَجِبُ أَنْ يَشْتَرِكَ فِيهِ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ، كَأَخَوَيْنِ ادَّعَيَا دَارًا مِيرَاثًا، فَصَدَّقَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا، وَأَكْذَبَ الْآخَرُ، كَانَ النِّصْفُ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ الْمُصَدِّقُ بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ، لِكَوْنِهِ مِيرَاثًا يُوجِبُ تَسَاوِيهِمَا فِيهِ، فَهَلَّا كَانَ مَا اسْتَحَقَّهُ الْحَالِفُ مَعَ شَاهِدِهِ مَقْسُومًا بَيْنَ جَمِيعِهِمْ، لِكَوْنِهِ مِيرَاثًا.

قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إِنَّ الْمَجْحُودَ، كَالْمَغْصُوبِ، وَغَصْبُ بَعْضِ التَّرِكَةِ يُوجِبُ تَسَاوِي الْوَرَثَةِ، فِي غَيْرِ الْمَغْصُوبِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي النُّكُولِ مَعَ الشَّاهِدِ، لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْوُصُولِ إِلَى حَقِّهِ بِيَمِينِهِ، فَصَارَ بِنُكُولِهِ، كَالْمُسَلِّمِ وَالتَّارِكِ لَهُ عَلَى خَصْمِهِ، وَجَرَى ذَلِكَ مَجْرَى أَخَوَيْنِ أَقَرَّ رَجُلٌ لِأَبِيهِمَا بِدَيْنٍ، فَقَبِلَهُ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَقْبَلْهُ الْآخَرُ، كَانَ حَقُّ الْقَابِلِ خَالِصًا لَهُ، لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُ الْقَابِلِ، لِأَنَّهُ تَارِكٌ لِحَقِّهِ مِنْهُ، كَذَلِكَ حُكْمُ النَّاكِلِ مَعَ الحالف.

[(مسألة)]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَعْتُوهٌ وُقِفَ حَقُّهُ حَتَّى يَعْقِلَ فَيَحْلِفَ أَوْ يَمُوتَ فَيَقُومَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ فَيَحْلِفَ وَيَسْتَحِقَّ وَلَا يَسْتَحِقُّ أَخٌ بِيَمِينِ أَخِيهِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، إِذَا كَانَ فِي الْوَرَثَةِ الَّذِينَ أَقَامُوا بِدَيْنِ مَيِّتِهِمْ، شَاهِدًا وَاحِدًا مَعْتُوهٌ، أَوْ طِفْلٌ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا بِيَمِينٍ من حلف كَمَا لَمْ يَسْتَحِقَّ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ إِذَا لَمْ يَحْلِفْ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحْلِفَ الْمَعْتُوهُ وَالطِّفْلُ، لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ لِأَيْمَانِهِمَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْلِفَ وَلِيُّهُمَا، لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لِأَحَدٍ حَقُّ يَمِينِ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ النِّيَابَةَ فِي الْأَيْمَانِ لَا تَصِحُّ، وَيَكُونُ حَقُّ الْمَعْتُوهِ وَالطِّفْلِ مَوْقُوفًا عَلَى إِفَاقَةِ الْمَعْتُوهِ، وَبُلُوغِ

<<  <  ج: ص:  >  >>