[(فصل)]
: فإذا كان هذا الِاسْتِرْعَاءُ فِي الْإِقْرَارِ مُعْتَبَرًا فَقَالَ الشَّاهِدُ لِلْمُقِرِّ: " أَشْهَدُ عَلَيْكَ بِذَلِكَ "؟ فَقَالَ: نَعَمْ، كَانَ هَذَا اسْتِرْعَاءً صَحِيحًا، وَلَوْ قَالَ: أَشْهَدُ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي صِحَّةِ الِاسْتِرْعَاءِ بِذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أوجه،
أحدهما: أَنَّ قَوْلَهُ " أَشْهَدُ " اسْتِرْعَاءٌ صَحِيحٌ كَقَوْلِهِ " نَعَمْ " بَلْ هُوَ آكَدُ لِمَا فِيهِ مِنْ لَفْظِ الْأَمْرِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ قَوْلُهُ " أَشْهَدُ " اسْتِرْعَاءٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاحْتِمَالِ أَنْ يَشْهَدَ بِهَا عَلَى غَيْرِهِ. أَوْ يَشْهَدَ عَلَى بَعْضِهَا.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: إِنْ قَالَ لَهُ " اشْهَدْ " لَمْ يَكُنِ اسْتِرْعَاءً وَلَوْ قَالَ: اشْهَدْ عَلَيَّ كَانَ اسْتِرْعَاءً لِنَفْيِ الِاحْتِمَالِ بِقَوْلِهِ " عَلَيَّ " وَلَوْ قَالَ لَهُ اشْهَدْ عَلَيَّ بِذَلِكَ كَانَ اسْتِرْعَاءً صَحِيحًا عَلَى الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ لِانْتِفَاءِ وُجُوهِ الِاحْتِمَالِ. وَهَذَا أَبْلَغُ فِي التَّأْكِيدِ مِنْ قَوْلِهِ نَعَمْ.
وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ الِاسْتِرْعَاءَ فِي الْإِقْرَارِ لَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ، فَقَالَ الشَّاهِدُ لِلْمُقِرِّ أَشْهَدُ عَلَيْكَ بِذَلِكَ؟ فَقَالَ: لَا، فَفِي بُطْلَانِ الشَّهَادَةِ بِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: قَدْ بَطَلَتْ بِقَوْلِهِ لَا.
وَالثَّانِي: لَا تَبْطُلُ، لِأَنَّ الرُّجُوعَ فِي الْإِقْرَارِ غَيْرُ مَقْبُولٍ.
( [الْقَوْلُ فِي سُؤَالِ الْقَاضِي عَنْ جِهَةِ التَّحَمُّلِ] )
[(مسألة)]
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَأُحِبُّ لِلْقَاضِي أَنْ لَا يَقْبَلَ هَذَا مِنْهُ وَإِنْ كَانَ عَلَى الصِّحَّةِ حَتَّى يَسْأَلَهُ مِنْ أَيْنَ هِيَ؟ فَإِنْ قَالَ بِإِقْرَارٍ مِنْهُ أَوْ بِبَيْعٍ حَضَرْتُهُ أَوْ سَلَفٍ أَجَازَه وَلَوْ لَمْ يَسْأَلْهُ رَأَيْتُهُ جَائِزًا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، يَنْبَغِي لِلشَّاهِدِ إِذَا شَهِدَ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِحَقٍّ عَلَى رَجُلٍ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الشَّهَادَةَ بِذِكْرِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلْحَقِّ، وَحَتَّى لَا يُحْوِجَ الْحَاكِمَ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ سَبَبِ وُجُوبِهِ.
فَيَقُولُ: " أَشْهَدُ أنَّهُ أَقَرَّ عِنْدِي أَوْ حَضَرْتُ عَقْدَ بَيْعٍ وَجَبَ بِهِ، فَإِنْ أَغْفَلَ الشَّاهِدُ ذِكْرَ السَّبَبِ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ يَنْبَغِي للحاكم أن يقول له: " من أين شهد عَلَيْهِ؟ وَلَا يَقُولُ: كَيْفَ شَهِدْتَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: كَيْفَ شَهِدْتَ عَلَيْهِ؟ قَدْحٌ، وَقَوْلُهُ: مِنْ أَيْنَ شَهِدْتَ عَلَيْهِ؟ اسْتِخْبَارٌ، وَلِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْتَخْبِرَ الشاهد، وليس له أن يبتدىء بِالْقَدْحِ فِيهِ.
فَإِذَا سَأَلَهُ الْحَاكِمُ: مِنْ أَيْنَ شَهِدْتَ عَلَيْهِ؟ فَيَنْبَغِي لِلشَّاهِدِ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُ، هل شهد