(فَصْلٌ)
: فَإِذَا قَاتَلَ الْمُسْلِمُ عَلَى فَرَسٍ مَغْصُوبٍ أَخَذَ بِهِ سَهْمَ فَارِسٍ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ، ثُمَّ نَظَرَ فِي مَالِكِهِ فَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا حَاضِرًا كَانَ سَهْمُ الْفَرْسِ، وَهُوَ سَهْمَانِ مِنَ الثَّلَاثَةِ مِلْكًا لِرَبِّ الْفَرَسِ، دُونَ غَاصِبِهِ لِأَنَّهُ إِذَا حَضَرَ بِهِ الْوَقْعَةَ اسْتَحَقَّ سَهْمَهُ، وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ يَسْتَحِقُّهُ، وَإِنْ قَاتَلَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَإِنْ كَانَ مَالِكُ الْفَرَسِ غَيْرَ حَاضِرٍ كَانَ سَهْمُهُ لِغَاصِبِهِ دُونَ مَالِكِهِ، وَلِلْمَالِكِ عَلَى الْغَاصِبِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مَالِكُهُ ذِمِّيًّا حَاضِرًا؛ لَأَنَّ سَهْمَ الْفَرَسِ صَارَ مُسْتَحَقًّا بِالْقِتَالِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الْغَاصِبِ دُونَ المالك.
[(مسألة)]
: قال الشافعي: " وَيُرْضَخُ لِمَنْ لَمْ يَبْلُغْ وَالْمَرَأَةِ وَالْعَبْدِ وَالْمُشْرِكِ إِذَا قَاتَلَ وَلِمَنِ اسْتُعِينَ بِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ إِذَا حَضَرَ الْوَقْعَةَ رُضِخَ لَهُ وَلَمْ يُسْهِمْ، وَهُوَ الصَّبِيُّ وَالْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: يُسْهَمُ لِجَمِيعِ مَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ وَإِنْ كَانُوا صِبْيَانًا وَنِسَاءً وَعَبِيدًا، احْتِجَاجًا بِمَا رَوَاهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَسْهَمَ لَهُمْ، وَهَذَا خَطَأٌ لِمَا رُوِيَ أَنَّ نَجْدَةَ الْحَرُورِيَّ كَتَبَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ عَنِ النِّسَاءِ هَلْ كُنَّ يَشْهَدْنَ الْحَرْبَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؟ وَهَلْ كَانَ يُضْرَبُ لَهُنَّ سَهْمٌ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ قَدْ كُنَّ يَحْضُرْنَ الْحَرْبَ، وَيَسْقِينَ الْمَاءَ وَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى، فَكَانَ يُرْضَخُ لَهُنَّ وَلَا يُسْهَمُ، وَلِأَنَّ السَّهْمَ حَقٌّ يُقَابِلُ فَرْضَ الْجِهَادِ فَاقْتَضَى أَنْ يَسْقُطَ مِنْ حَقِّ مَنْ لَمْ يُفْتَرَضْ عَلَيْهِ الْجِهَادُ، وَخَالَفَ أَصْحَابُ الْأَعْذَارِ مِنَ الْفُقَرَاءِ وَالْمَرْضَى الَّذِينَ يُسْهَمُ لَهُمْ إِذَا حَضَرُوا، لِأَنَّ فَرْضَهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ بِالْحُضُورِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِأَصْحَابِ الْأَعْذَارِ أَنْ يُوَلُّوا عَنِ الْوَقْعَةِ وَجَازَ لِمَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ أَنْ يولى عنها، وما رواه الأوزاعي من االسهم لَهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى الرَّضْخِ، لِأَنَّ السَّهْمَ النَّصِيبُ، وَهَكَذَا مَنِ اسْتَعَانَ بِهِ الْإِمَامُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ رُضِخَ لَهُمْ، وَلَمْ يُسْهَمْ، لِرِوَايَةِ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اسْتَعَانَ بِقَوْمٍ مِنْ يَهُودِ بَنِي قَيْنُقَاعَ، فَرَضَخَ لَهُمْ وَلَمْ يُسْهِمْ.
فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ يَرْضَخُ لَهُمْ وَلَا يُسْهَمُ، فَإِنْ كَانَ مُسْتَحِقُّ الرَّضْخِ مُسْلِمًا، كَانَ رَضْخُهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ وَهَلْ يَكُونُ مِنْ أَصْلِهَا؟ أَوْ مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَضَيَا، وَإِنْ كَانَ مُشْرِكًا فَعَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ وَهُوَ خُمْسِ الْخُمْسِ، سَهْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ وَهَلْ يَكُونُ مِنْ أَصْلِهَا أَوْ مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهَا؟ عَلَى قولين كالمسلم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute