مِنْ مَنَافِعِ إِجَارَتِهِ كَأَجِيرٍ يَخْدُمُ مَنْ حَضَرَ الْوَقْعَةَ فَلَهُ الْأُجْرَةُ مَعَ السَّهْمِ كَمَا يَكُونُ لَهُ الْحَجُّ مَعَ الْأُجْرَةِ وَإِنْ كَانَ حُضُورُ الْوَقْعَةِ يَمْنَعُ مِنْ مَنَافِعِ إِجَارَتِهِ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَدْعُوَهُ الْمُسْتَأْجِرُ إِلَى خِدْمَتِهِ فَيَأْبَى وَيَغْلِبَهُ عَلَى مَنَافِعِ نَفْسِهِ. فَهَذَا يَرُدُّ مِنَ الْأُجْرَةِ مَا قَابَلَ مُدَّةَ حُضُورِهِ لِئَلَّا يَجْمَعَ فِيهَا بَيْنَ بَدَلَيْنِ وَقَدِ امْتَلَكَهَا فِي إِحْدَى الْجِهَتَيْنِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: لَا يَدْعُوهُ الْمُسْتَأْجِرُ إِلَى خِدْمَتِهِ فَفِي اسْتِحْقَاقِ الْأَجْرِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَسْتَحِقُّهَا تَعْلِيلًا بِمَا ذَكَرْنَا.
وَالثَّانِي: يَسْتَحِقُّهَا؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ فِي مُقَابَلَةِ التَّمْكِينِ مِنَ الْخِدْمَةِ، وَالتَّمْكِينُ مَوْجُودٌ وَإِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ الِاسْتِيفَاءُ، وَإِنْ كَانَتِ الْإِجَارَةُ تُقَدَّرُ عَلَى قَسْمِهَا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ:
أَحَدُهَا: لَا يُسْهَمُ لَهُ سَوَاءً أَقَامَ عَلَيْهَا مِنْ بَعْدُ أَوْ فَسَخَ.
وَالثَّانِي: يُسْهَمُ لَهُ سَوَاءً أَقَامَ عَلَيْهَا مِنْ بَعْدُ أَوْ فَسَخَ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُقِيمَ عَلَى الْإِجَارَةِ فَلَا يُسْهَمُ لَهُ وَيُعْطَى رَضْخًا وَتَكُونَ لَهُ الْأُجْرَةُ، وَبَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ فَيُسْهَمُ لَهُ وَتَسْقُطُ الْأُجْرَةُ.
فَإِذَا قِيلَ: يُسْهَمُ لَهُ فَسَوَاءً قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ لَهُ سَهْمُهُ كَغَيْرِهِ مِنَ الْجَيْشِ.
وَإِذَا قِيلَ لَا يُسْهَمُ لَهُ كَانَ ذَلِكَ حُكْمَهُ مَا لَمْ يُقَاتِلْ فِي حُضُورِهِ، فَأَمَّا إِذَا قَاتَلَ وَأَبْلَى فِإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ السَّلَبَ إِنْ قَتَلَ قَتِيلًا، وَفِي اسْتِحْقَاقِهِ لِلسَّهْمِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْبَصْرِيِّينَ مِنْهُمْ أَبُو الْفَيَّاضِ يَسْتَحِقُّ السَّهْمَ لِبَلَائِهِ وَظُهُورِ عَنَائِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، وَالْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ لَا سَهْمَ لَهُ؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ السَّهْمَ بِالْحُضُورِ إِذَا لَمْ يُقَاتِلْ لَمْ يَسْتَحِقَّهُ وَإِنْ قَاتَلَ كَأَهْلِ الرَّضْخِ طردا وأهل الجهاد عكسا.
[مسألة:]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " ولو أفلت إليهم أسير قبل تحرز الْغَنِيمَةَ فَقَدْ قِيلَ يُسْهَمُ لَهُ وَقِيلَ لَا يُسْهَمُ لَهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قِتَالٌ فَيُقَاتِلُ فَأَرَى أَنْ يُسْهَمَ لَهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا كَانَ فِي أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ أَسِيرٌ وَأَفْلَتَ مِنْهُمْ وَقْتَ الْقِتَالِ وَصَارَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ، فَلَا يَخْلُو حَالُهُ مِنْ أَنْ يَخْتَلِطَ بِالْجَيْشِ أَوْ لَا يَخْتَلِطُ فَإِنْ لَمْ يَخْتَلِطْ وَتَوَجَّهَ إِلَى وَطَنِهِ فَلَا حَقَّ لَهُ فِي الْغَنِيمَةِ، وَإِنِ اخْتَلَطَ فِي الْجَيْشِ فَلَا يَخْلُو حَالُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَحْضُرَ قَبْلَ تَقَضِّي الْحَرْبِ فَهَذَا يُسْهَمُ لَهُ قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ.
وَقَالَ أبو حنيفة: لَا يُسْهَمُ لَهُ إِلَّا أَنْ يُقَاتِلَ؛ لِأَنَّهُ مَا قَصَدَ الْجِهَادَ وَلَا تَكَلَّفَ لَهُ وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ " وَلِأَنَّ مَنْ أُسْهِمَ لَهُ إِذَا قَاتَلَ أُسْهِمَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ كَسَائِرِ الْجَيْشِ؛ وَلِأَنَّ مَا عَانَاهُ مِنْ شِدَّةِ الْأَسْرِ وَذُلِّهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سببا لحرمانه فأمانية الْقَصْدِ وَتَكَلُّفُ الْمُؤَنِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ فِي سَهْمِ غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ فِي سَهْمِهِ.