للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(فَصْلٌ:)

فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا مِنْ أَنَّ الْإِيلَاجَ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَإِنْ طُلِّقَتْ بِهِ بِخِلَافِ مَا قَالَهُ ابْنُ خَيْرَانَ فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي الْمُطَالَبَةِ بَعْدَ الْوَقْفِ بَيْنَ الْفَيْئَةِ، أَوِ الطَّلَاقِ، فَإِنْ طَلَّقَ فَطَلَاقُهُ فِيهِ كَطَلَاقِهِ فِي غَيْرِهِ عَلَى مَا مَضَى وَعَلَى مَا سَيَأْتِي، فَإِنْ فَاءَ بِالْوَطْءِ فَالَّذِي يُبَاحُ لَهُ مِنْهُ أَنْ يُولِجَ الْحَشَفَةَ حَتَّى يَلْتَقِيَ بِهَا الْخِتَانَانِ؛ لِأَنَّ مَا تَعَلَّقَ بِالْوَطْءِ مِنْ سَائِرِ الْأَحْكَامِ يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْقَدْرِ مِنَ الْإِيلَاجِ وَهُوَ الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ كَذَلِكَ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ بِوَطْئِهَا يَقَعُ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَهُوَ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ، وَهِيَ بَعْدَ تَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، فَحُرِّمَ عَلَيْهِ أَنْ يُولِجَ بَاقِيَ ذَكَرِهِ وَأَنْ يَمْكُثَ بَعْدَ تَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ فَيَكُونُ تَحْرِيمُ إِيلَاجِ الْبَاقِي مِنَ الذَّكَرِ كَتَحْرِيمِ الْمُكْثِ فَيَصِيرَانِ مَعًا مُحَرَّمَيْنِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَخْلُ حَالُهُ بَعْدَ تَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يُخْرِجَ حَشَفَةَ ذَكَرِهِ فِي الْحَالِ فَلَا يَسْتَدِيمُهَا وَلَا يُولِجُ بَاقِيَ ذَكَرِهِ مَعَهَا بَلْ فَعَلَ مَا أُبِيحَ لَهُ مِنَ الْفَيْئَةِ الَّتِي خَرَجَ بِهَا مِنْ حُكْمِ الْإِيلَاءِ، وَوَقَعَ بِهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ وَلَمْ يَتَجَاوَزْهُ إِلَى مَحْظُورٍ يُوجِبُ حَدًّا، وَلَا مَهْرًا.

وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَمْكُثَ مُسْتَدِيمًا لِإِيلَاجِ الْحَشَفَةِ أَوْ يَسْتَوْفِيَ إِيلَاجَ جَمِيعِ الذَّكَرِ، سَوَاءٌ اسْتَدَامَ حَرَكَةَ الْوَطْءِ حَتَّى أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يَسْتَدِمْهَا حَتَّى أَخْرَجَ مِنْ غَيْرِ إِحْدَاثِ إِيلَاجٍ ثَانٍ، فَهَذَا قِسْمٌ وَاحِدٌ وَحُكْمُهُ وَاحِدٌ وَهِيَ إِيلَاجَةٌ وَاحِدَةٌ كَانَ أَوَّلُهَا مُبَاحًا وَآخِرُهَا مَحْظُورًا فَلَا حَدَّ فِيهَا لِأَنَّ اجْتِمَاعَ التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ فِي الْفِعْلِ الْوَاحِدِ شُبْهَةٌ يُدْرَأُ بِهَا الْحَدُّ وَفِي وُجُوبِ الْمَهْرِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَهْرُ بِالِاسْتِدَامَةِ كَمَا يَجِبُ بِالِابْتِدَاءِ كَالصَّائِمِ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ عَلَيْهِ وَهُوَ مَجَامِعٌ فَاسْتَدَامَ إِيلَاجَ ذَكَرِهِ بَعْدَ الْفَجْرِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ بِاسْتِدَامَةِ الْإِيلَاجِ كَوُجُوبِهَا عَلَيْهِ بِابْتِدَاءِ الْإِيلَاجِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَهْرُ بِالِاسْتِدَامَةِ وَإِنْ وَجَبَتِ الْكَفَّارَةُ عَلَى الصَّائِمِ بِالِاسْتِدَامَةِ لِأَنَّهَا إِيلَاجَةٌ وَاحِدَةٌ لَا يَتَمَيَّزُ حُكْمُهَا فَإِذَا لَمْ يَجِبْ بِابْتِدَائِهَا مَهْرٌ لَمْ يَجِبْ بِاسْتِدَامَتِهَا مَهْرٌ، وَخَالَفَ اسْتِدَامَةَ الصَّائِمِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْكَفَّارَةَ فِي الصَّوْمِ تَتَعَلَّقُ بِشَيْئَيْنِ: الزَّمَانِ، وَالِاسْتِدَامَةِ، فَلَمَّا كَانَ الزَّمَانُ مُتَمَيِّزًا جَازَ أَنْ يَتَمَيَّزَ بِهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ وَحُكْمُ الِاسْتِدَامَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَهْرُ لِأَنَّهُ يَجِبُ بِشَيْءٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْوَطْءُ فَلَمْ يَتَمَيَّزْ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ مِنْ حُكْمِ الِاسْتِدَامَةِ.

وَالْفَرْقُ الثَّانِي: أَنَّ إِيجَابَ الْمَهْرِ هَاهُنَا بِالِاسْتِدَامَةِ مُفْضٍ إِلَى إِيجَابِ مهرين بوطء واحد وهو أن تكون مفوضة غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا، فَيَجِبُ لَهَا بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ مَهْرٌ، وَيَجِبُ لَهَا بِاسْتِدَامَةِ الْإِيلَاجِ مَهْرٌ ثَانٍ فَيَصِيرُ الْوَطْءُ الْوَاحِدُ مُوجِبًا لِمَهْرَيْنِ، وَهَذَا غَيْرُ جائز

<<  <  ج: ص:  >  >>