للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مسألة:]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ مَرَّتْ بِهِ سَنَةٌ وَهِيَ أَرْبَعُونَ فَنَتَجَتْ شَاةٌ فَحَالَتْ عَلَيْهَا سَنَةٌ ثَانِيَةٌ وَهِيَ إِحْدَى وأربعون فنتجت شاة فحالت عليها سنة ثالثة وهي اثنان وَأَرْبَعُونَ فَعَلَيْهِ ثَلَاثُ شِيَاهٍ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَنَظَائِرِهَا وَمَا بُنِيَ عَلَيْهِ سَائِرُ فُرُوعِهَا، اخْتِلَافُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ فِي الزَّكَاةِ، هَلْ تَجِبُ فِي الْعَيْنِ أَوْ فِي الذِّمَّةِ وَلَهُ في ذلك قولان:

أحدهما: وهو قوله أَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِي ذِمَّةِ الْمَالِكِ لَا فِي عَيْنِ مَالِهِ.

وَوَجْهُ ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي خَمْسٍ مِنَ الْإِبِلِ شَاةٌ وَلَيْسَتِ الشَّاةُ فِي عَيْنِ الْمَالِ فَدَلَّ عَلَى ثُبُوتِهَا فِي الذِّمَّةِ، وَلِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ فِي الْمَالِ وَكَانَ الْمَسَاكِينُ فِيهَا شُرَكَاءُ لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْمَالِ إِبْطَالُ شَرِكَتِهِمْ وَالِانْتِقَالُ مِنْ عَيْنِ الْمَالِ إِلَى غَيْرِهِ إِلَّا بِاخْتِيَارِهِمْ، كَسَائِرِ الشُّرَكَاءِ فِي غَيْرِ الزَّكَاةِ، فَلَمَّا كَانَ لَهُ الِانْتِقَالُ مِنْ عَيْنِ الْمَالِ وَإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِهِ، دَلَّ عَلَى وُجُوبِهَا فِي ذِمَّتِهِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَالَ فِي الْجَدِيدِ وَأَشَارَ إِلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ: أَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِي عَيْنِ الْمَالِ لا في الذمة لقول اللَّهِ تَعَالَى {وَالّذِينَ فِي أمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} (المعارج: ٢٤) فاقتضى كلامه هَذَا اللَّفْظِ وَصَرِيحُهُ إِيجَابُ الزَّكَاةِ فِي عَيْنِ الْمَالِ دُونَ ذِمَّةِ رَبِّهِ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فِي أَرْبَعِينَ شاةٍ شاةٌ " فَأَوْجَبَ الشَّاةَ فِي عَيْنِهَا وَلَمْ يُوجِبْهَا فِي ذِمَّةِ رَبِّهَا وَلِأَنَّ كُلَّ حَقٍّ ثَابِتٍ فِي الذِّمَّةِ لَا يَبْطُلُ بِتَلَفِ الْمَالِ كَالدَّيْنِ وَالْفَرْضِ وَكُلَّ حَقٍّ تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ يَبْطُلُ بِتَلَفِ الْمَالِ كَالْوَدِيعَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ، فَلَمَّا بَطَلَتِ الزَّكَاةُ بِتَلَفِ الْمَالِ بَعْدَ الْحَوْلِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ وَلَا تَقْصِيرٍ، دَلَّ عَلَى وُجُوبِهَا فِي عَيْنِ الْمَالِ دُونَ ذِمَّةِ المالك.

[فصل]

: قال فَإِذَا تَقَرَّرَ تَوْجِيهُ الْقَوْلَيْنِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الذِّمَّةِ أَوْ فِي الْعَيْنِ، فَعَلَى الْقَوْلِ القديم: أن الزكاة واجبة في الذمة، واختلف أَصْحَابُنَا هَلِ الْعَيْنُ مُرْتَهَنَةٌ بِهَا أَمْ لَا عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْعَيْنِ فِي الْوُجُوبِ، وَلَا تَكُونُ الْعَيْنُ مُرْتَهَنَةً بِهَا لِأَنَّ الْعَيْنَ لَوْ كَانَتْ مُرْتَهَنَةً بِهَا مَا جَازَ تَصَرُّفُهُ فِي الْعَيْنِ قَبْلَ أَدَاءِ زَكَاتِهَا، كَمَا لَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِي الرَّهْنِ قَبْلَ نكاحه فَلَمَّا جَازَ تَصَرُّفُهُ فِيهَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لِلْوُجُوبِ بِهَا، وَالْوَجْهُ الثَّانِي وَهُوَ أَصَحُّ وَعَلَيْهِ فَرَّعَ الشَّافِعِيُّ أَنَّ الْعَيْنَ مُرْتَهَنَةٌ بِمَا وَجَبَ فِي الذِّمَّةِ، كَالْعَبْدِ الْجَانِي رَقَبَتُهُ مُرْتَهَنَةٌ بِجِنَايَتِهِ، وَإِنْ كَانَ لِلسَّيِّدِ أَدَاءُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ رَقَبَتِهِ، فَإِنْ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ مِنْ مَالِهِ، وَإِلَّا أَخَذَ السَّاعِي ذَلِكَ مِنْ عَيْنِ الْمَالِ وَبِذَلِكَ جَرَتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَسِيرَةُ خُلَفَائِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَأَمَّا عَلَى الْجَدِيدِ: أَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِي الْعَيْنِ فَفِي كَيْفِيَّةِ وُجُوبِهَا قَوْلَانِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>