للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(التقاء الفارسين والسفينتين)

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وإذا اصطدم الراكبان على أي دابة كانتا فَمَاتَا مَعًا فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَةِ صَاحِبِهِ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ صَدْمَتِهِ وَصَدْمَةِ صَاحِبِهِ كَمَا لَوْ جَرَحَ نَفْسَهُ وَجَرَحَهُ صَاحِبُهُ فَمَاتَ وَإِنْ مَاتَتِ الدَّابَّتَانِ فَفِي مَالِ كل واحد منهما نصف قيمة دابة صاحبه ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا اصْطَدَمَ الْفَارِسَانِ فَمَاتَا وَمَاتَتْ دَابَّتَاهُمَا وَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَةِ صَاحِبِهِ وَنِصْفُ قِيمَةِ دَابَّتِهِ، وَيَكُونُ النِّصْفُ الثَّانِي هَدَرًا، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَمِيعُ دِيَةِ صَاحِبِهِ وَجَمِيعُ قِيمَةِ دَابَّتِهِ، وَلَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْهَا هَدَرًا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ اسْتِدْلَالًا بِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَوْتَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنْسُوبٌ إِلَى فِعْلِ صَاحِبِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَضَمَنَ جَمِيعَ دِيَتِهِ، كَمَا لَوْ جَلَسَ إِنْسَانٌ فِي طَرِيقٍ ضَيِّقَةٍ فَعَثَرَ بِهِ سَائِرٌ فَوَقَعَ عَلَيْهِ فَمَاتَا جَمِيعًا كَانَ عَلَى عَاقِلَةِ السَّائِرِ جَمِيعَ دِيَةِ الْجَالِسِ، وَعَلَى عَاقِلَةِ الْجَالِسِ جَمِيعَ دِيَةِ السَّائِرِ، وَلَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ دِيَتِهِمَا هَدَرًا، كَذَلِكَ اصْطِدَامُ الْفَارِسَيْنِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ حُدُوثَ التَّلَفِ إِذَا كَانَ بِفِعْلِهِ ويفعل صَاحِبِهِ سَقَطَ اعْتِبَارُ فِعْلِهِ فِي تَعْيِينِهِ وَكَانَ جَمِيعُهُ مُضَافًا إِلَى فِعْلِ صَاحَبِهِ وَهُوَ الْمَأْخُوذُ بِجَمِيعِ دِيَتِهِ، كَمَا لَوْ تَعَدَّى رَجُلٌ بِحَفْرِ بئر فسقط فيها سائر ممات ضَمِنَ الْحَافِرُ جَمِيعَ دِيَةِ السَّائِرِ وَإِنْ كَانَ الْوُقُوعُ فِيهَا بِحَفْرِ الْحَافِرِ وَمَشْيِ السَّائِرِ، كَذَلِكَ فِي اصْطِدَامِ الْفَارِسَيْنِ.

وَدَلِيلُنَا: مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّهُ قَالَ: " إِذَا اصْطَدَمَ الْفَارِسَانِ فَمَاتَا فَعَلَى عاقلة كل واحد منهما نصف دية صاحبه "، وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ مُخَالِفٌ، فَإِنْ كَانَ هَذَا مُنْتَشِرًا فَهُوَ إِجْمَاعٌ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَشِرْ فَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ، وَلِأَنَّ مَوْتَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَانَ بِفِعْلٍ اشْتَرَكَا فِيهِ، لِأَنَّهُ مَاتَ بِصَدْمَتِهِ وَصَدْمَةِ صَاحِبِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَضْمَنَ مَا اخْتُصَّ بِفِعْلِهِ وَلَا يَضْمَنَ مَا اخْتُصَّ بِفِعْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>