مِنَ الْأَنْصَارِ أَتَى مَنْزِلَهُ، وَلَمْ يُهَيَّأْ إِفْطَارُهُ فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ ثُمَّ أُتِيَ بِالطَّعَامِ، وَقَدْ نَامَ فلم يأكل وأصبح طاوياً، خَرَجَ إِلَى ضَيْعَتِهِ فَعَمِلَ فِيهَا فَغُشِيَ عَلَيْهِ، وخاف التلف فنزل قوله تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الخَيْطُ الأَبْيَضُ منَ الخَيطِ الأَسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ) {البقرة: ١٨٧) فَلَمَّا أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَكْلَ، وَالْجِمَاعَ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَلَمِ يَسْتَثْنِ زَمَانَ الْغُسْلِ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ، وَرَوَتْ عَائِشَةُ وَأُمُّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ لَا مِنِ احْتِلَامٍ وَيَصُومُ وَرَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ واقفٌ عَلَى الْبَابِ فَقَالَ لَهُ إِنِّي أُصْبِحُ جُنُبًا وَأَنَا أُرِيدُ الصَوْمَ فَقَالَ وَأَنَا أُصْبِحُ جُنُبًا وَأُرِيدُ الصَّوْمَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّكَ لَسْتَ مِثْلَنَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ فَغَضِبَ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقَالَ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَعْلَمَكُمْ بِمَا أَتَّقِي وَأَيْضًا فَإِنَّ الغسل عن الوطئ كَالشِّبَعِ وَالرِّيِّ عَنِ الطَّعَامِ، وَالشَّرَابِ ثُمَّ كَانَ هَذَا غَيْرَ مُفْسِدٍ لِلصَّوْمِ كَذَلِكَ غُسْلُ الْجَنَابَةِ لِأَنَّهُ ثَمَرَةُ فِعْلٍ مُبَاحٍ.
فَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هريرة فغير ثابت وإن صح فقد رَجَعَ عَنْهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَرَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَلَى مَرْوَانَ فَتَذَاكَرْنَا الْجَنَابَةَ، فِي الصَّوْمِ، فَقَالَ مَرْوَانُ حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا مِنْ جماعٍ فَلَا صوم له ثم أقسم مروان علينا أن نسأل عائلة وَأُمَّ سَلَمَةَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَتَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جماعٍ لَا مِنِ احْتِلَامٍ وَيُتِمُّ صَوْمَهُ فَأَقْسَمَ عَلَيْنَا مَرْوَانُ أَنْ نَلْقَى أَبَا هُرَيْرَةَ فَلَقِينَاهُ، فَأَخْبَرْنَاهُ بِمَا جَرَى فَقَالَ أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ مُخْبِرٌ وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ الْفَضْلُ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِ، وَكَانَ الْفَضْلُ مَيِّتًا، وَمَا كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ لَمْ يَصِحَّ التَّعَلُّقُ بِهِ وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَجَعَ عَنْهُ قَبْلَ مَوْتِهِ وَاللَّهُ أعلم.
[مسألة:]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ كَانَ يَرَى الْفَجْرَ لَمْ يَجِبْ وَقَدْ وَجَبَ أَوْ يَرَى أَنَّ اللَّيْلَ قَدْ وَجَبَ ولم يجب أعاد ".
قال الماوردي: وهذا صَحِيحٌ أَمَّا إِنِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ دُخُولُ اللَّيْلِ، فَظَنَّ أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَرَبَتْ، وَأَنَّ اللَّيْلَ قَدْ دَخَلَ فَأَفْطَرَ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ كَانَ نَهَارًا، وَأَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَكُنْ غَرَبَتْ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute