مَعَانِيهِ حَتَّى غَمُضَتْ مِثَالُهُ تَعْلِيلُ الرِّبَا فِي الْبُرِّ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، فَتَقَابَلَ فِيهِ التَّعْلِيلُ بِالْأَكْلِ، لِيُقَاسَ عَلَيْهِ كُلُّ مَأْكُولٍ، وَالتَّعْلِيلُ بِالْقُوتِ، لِيُقَاسَ عَلَيْهِ كُلُّ مُقْتَاتٍ، وَالتَّعْلِيلُ بِالْكَيْلِ لِيُقَاسَ عَلَيْهِ كُلُّ مَكِيلٍ، وَمِثْلُهُ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَقْبِضَ، تَقَابَلَ فِيهِ التَّعْلِيلُ بِالطَّعْمِ، حَتَّى يُقَاسَ عَلَيْهِ كُلُّ مَطْعُومٍ، وَالتَّعْلِيلُ بِالنَّقْلِ، لِيُقَاسَ عَلَيْهِ كُلُّ مَنْقُولٍ، وَالتَّعْلِيلُ بِالْبَيْعِ لِيُقَاسَ عَلَيْهِ كُلُّ مَبِيعٍ.
فَصَارَ الْمَعْنَى بِاخْتِلَافِهِمْ فِيهِ غَامِضًا وَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ مُتَرَجِّحًا.
وَمِثْلُ هَذَا الضَّرْبِ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ إِجْمَاعٌ وَلَا يُنْقَضُ بِهِ حُكْمٌ وَلَا يُخَصُّ بِهِ عُمُومٌ.
وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّالِثُ: وَهُوَ مَا كَانَ مُشْتَبِهًا، فَهُوَ مَا احْتَاجَ نَصُّهُ وَمَعْنَاهُ إِلَى اسْتِدْلَالٍ: كَالَّذِي قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ فَعُرِفَ الِاسْتِدْلَالُ: أَنَّ الْخَرَاجَ هُوَ الْمَنْفَعَةُ وَأَنَّ الضَّمَانَ هُوَ ضَمَانُ الْبَيْعِ، ثُمِ عُرِفَ مَعْنَى الْمَنْفَعَةِ بِالِاسْتِدْلَالِ فَتَقَابَلَتِ الْمَعَانِي بِالِاخْتِلَافِ فِيهَا فَمِنْ مُعَلِّلٍ لَهَا بِأَنَّهَا آثَارٌ. فَلَمْ يَجْعَلِ الْمُشْتَرِيَ إِذَا رَدَّ بِالْعَيْبِ مَالِكًا لِلْأَعْيَانِ مِنَ الثِّمَارِ وَالنِّتَاجِ، وَمِنْ مُعَلِّلٍ لَهَا بِأَنَّهَا مَا خَالَفَتْ أَجْنَاسَ أُصُولِهَا، فَجَعَلَهُ مَالِكًا لِلثِّمَارِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ مَالِكًا لِلنِّتَاجِ، وَعَلَّلَهَا الشَّافِعِيُّ بِأَنَّهَا نَمَاءٌ، فَجَعَلَهُ مَالِكًا لِكُلِّ نَمَاءٍ مِنْ ثِمَارٍ وَنِتَاجٍ.
فَمِثْلُ هَذَا الضَّرْبِ يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ فِي حُكْمِ أَصْلِهِ وَلَا يَنْعَقِدُ فِي مَعْنَاهُ، وَلَا يُنْقَضُ بِقِيَاسِهِ حُكْمٌ، وَلَا يُخَصُّ بِهِ عُمُومٌ، وَهُوَ أَضْعَفُ مِمَّا تَقَدَّمَهُ، وَإِنْ قَارَبَهُ في حكمه والله أعلم.
[(فصل قياس الشبه)]
وَأَمَّا قِيَاسُ الشَّبَهِ فَهُوَ مَا تَجَاذَبَتْهُ الْأُصُولُ، فَأَخَذَ مِنْ كُلِّ أَصْلٍ شَبَهًا، وَأَخَذَ كُلُّ أَصْلٍ مِنْهُ شَبَهًا.
وَهُوَ نَوْعَانِ: قِيَاسُ تَحْقِيقٍ، يَكُونُ الشَّبَهُ فِي أَحْكَامِهِ، وَقِيَاسُ تَقْرِيبٍ يَكُونُ الشَّبَهُ فِي أَوْصَافِهِ.
وَقِيَاسُ التَّحْقِيقِ مُقَابِلٌ لِقِيَاسِ المعنى الجلي وإن ضعف عنه.
(قياس التحقيق)
فَأَمَّا قِيَاسُ التَّحْقِيقِ فَعَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَتَرَدَّدَ حُكْمُ الْفَرْعِ بَيْنَ أَصْلَيْنِ يَنْتَقِضُ بِرَدِّهِ إِلَى أَحَدِهِمَا، وَلَا يَنْتَقِضُ بِرَدِّهِ إِلَى الْآخَرِ، فَيُرَدُّ إِلَى الْأَصْلِ الَّذِي لَا يَنْتَقِضُ برده إليه، وإن كان أقلهما شَبَهًا وَلَا يُرَدُّ إِلَى الْأَصْلِ الَّذِي يَنْتَقِضُ بِرَدِّهِ إِلَيْهِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ شَبَهًا: مِثَالُهُ: الْعَبْدُ هَلْ يَمْلِكُ؟ إِذَا مَلَكَ يَتَرَدَّدُ بَيْنَ أصلين:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute