للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهَا: يُغَرَّبُ سَنَةً كَالْحُرِّ وَإِنْ خَالَفَ الْحُرَّ فِي الْجَلْدِ؛ لِأَنَّ مَا اعْتُبِرَ فِيهِ الْحَوْلُ لم يتبعض كالزكاة والجزية.

والقول الثَّانِي: لَا تَغْرِيبَ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ لِمَا فِيهِ من الإضرار بسيده، وأنه فِي الْغُرْبَةِ أَرْفَهُ لِقِلَّةِ خِدْمَتِهِ.

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أنه يُغَرَّبُ نِصْفَ سَنَةٍ، وَهَذَا أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ التَّغْرِيبُ فِي الْحُرِّ تَبَعًا لِلْجَلْدِ ثُمَّ تنصف جلد العبد، وجب أن ينتصف تَغْرِيبُهُ، وَسَوَاءٌ فِي هَذَا التَّغْرِيبِ أَنْ يَحُدَّهُ الْإِمَامُ أَوِ السَّيِّدُ.

وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إِنْ حَدَّهُ السَّيِّدُ لَمْ يُغَرِّبْهُ، وَإِنْ حَدَّهُ الْإِمَامُ غَرَّبَهُ.

وَهَذَا الْفَرْقُ لَا وَجْهَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ مُسْتَوْفًى فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لَا فِي حَقِّ السَّيِّدِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَخْتَلِفَ بِاخْتِلَافِ مُسْتَوْفِيهِ كَالْجَلْدِ وَحَّدُّ الْأَمَةِ كَالْعَبْدِ، وَكَذَلِكَ الْمُدْبِرُ وَالْمُكَاتِبُ وَمَنْ فِيهِ جُزْءٌ مِنَ الرِّقِّ وَإِنْ قَلَّ كَحَدِّ الْعَبِيدِ كَمَا كَانُوا فِي النكاح والطلاق والعدة كالعبيد، ومؤونة التَّغْرِيبِ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَنَفَقَتُهُ فِي زَمَانِ التَّغْرِيبِ عَلَى السَّيِّدِ، فَإِنْ أَعْوَزَ بَيْتَ الْمَالِ فمؤونة التغريب على السيد كالنفقة والله أعلم.

[(مسألة)]

قال الشافعي: " ولو أقر مرة حد لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أمر أنيساً أن يغدو على امرأة فإن اعترفت رجمها وأمر عمر رضي الله عنه أبا واقد الليثي بمثل ذلك ولم يأمرا بعدد إقراره وفي ذلك دليل أنه يجوز أن يقيم الإمام الحدود وإن لم يحضره) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْإِقْرَارِ الَّذِي يجب به حد الزنا عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ:

أَحَدُهَا: وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أنه يجب بإقراره مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.

وَالثَّانِي: وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حنيفة وأصحابه: أنه لا يجب إلا بإقرار أربع مرار فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ.

وَالثَّالِثُ: وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وابن أبي ليلى لا تجب إِلَّا بِإِقْرَارٍ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ سَوَاءٌ كَانَ فِي مجلس أو في مجالس؛ احتجاجاً فِي اعْتِبَارِ الْأَرْبَعِ بِرِوَايَةِ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَاءَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأَقَرَّ بِالزِّنَا فَرَدَّهُ، ثُمَّ عَادَ فَأَقَرَّ بِالزِّنَا فَرَدَّهُ، ثُمَّ عَادَ فَأَقَرَّ بِالزِّنَا فَرَدَّهُ، ثُمَّ عاد رابعة فأقر بِالزِّنَا فَسَأَلَ عَنْهُ قَوْمَهُ: " هَلْ تُنْكِرُونَ مِنْ عَقْلِهِ شَيْئًا؟) قَالُوا: لَا، فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ فِي مَوْضِعٍ قَلِيلِ الْحِجَارَةِ، فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ، فَانْطَلَقَ يَسْعَى إِلَى مَوْضِعٍ كَثِيرِ الْحِجَارَةِ فَرَجَمُوهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>