وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ أَنْ يَكُونَ ذِمِّيًّا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي قَبُولِ شَهَادَةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَعْرِفَ حَالَ مَنْ دَخَلَ فِي جِزْيَتِهِمْ، وَمَنْ خَرَجَ مِنْهَا فَيُثْبِتَهُ، وَالدَّاخِلُ فِيهَا: الصَّبِيُّ إِذَا بَلَغَ، وَالْمَجْنُونُ إِذَا أَفَاقَ، وَالْعَبْدُ إِذَا عَتَقَ.
وَالْخَارِجُ مِنْهَا: مَنْ مَاتَ أَوْ جُنَّ بَعْدَ إِفَاقَتِهِ، أَوِ افْتَقَرَ بَعْدَ غِنَاهُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ. وَكَذَلِكَ مَنْ عَمِيَ أَوْ زَمِنَ، وَيَعْرِفَ حَالَ مَنْ نَقَضَ عَهْدَهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْ قَامَ بِهَذَا مِنَ الْعُرَفَاءِ إِلَّا مُسْلِمٌ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يُحْضِرَهُمْ إِذَا أريدوا لأداء الجزيرة، وَلِاسْتِيفَاءِ حَقٍّ عَلَيْهِمْ، وَلِيَشْكُوا إِلَيْهِ، مَا يُنْهِيهِ عنهم إلى الإمام من حَقٍّ لَهُمْ يَسْتَوْفُونَهُ، أَوْ مِنْ تَعَدِّي مُسْلِمٍ عَلَيْهِمْ يَكُفُّ عَنْهُمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْ قَامَ بِهَذَا مِنَ الْعُرَفَاءِ ذِمِّيًّا مِنْهُمْ، لِأَنَّهَا نِيَابَةٌ عَنْهُمْ، لَا يُعْمَلُ فِيهَا عَلَى خَبَرِهِ.
[(مسألة)]
: قال الشافعي: " وَإِذَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ صُلْحُهُمْ بَعَثَ فِي كُلِّ بِلَادٍ فَجُمِعَ الْبَالِغُونَ مِنْهُمْ ثُمَّ يُسْأَلُونَ عَنْ صُلْحِهِمْ فَمَنْ أَقَرَّ بِأَقَلِّ الْجِزْيَةِ قُبِلَ مِنْهُ وَمَنْ أَقَرَّ بِزِيَادَةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ غَيْرُهَا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، إِذَا عَقَدَ الْإِمَامُ مَعَهُمُ الذِّمَّةَ عَلَى جِزْيَةٍ وَشُرُوطٍ يَجُوزُ مِثْلُهَا، وَجَبَ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ إِمْضَاءُ عَهْدِهِ، وَأَجْرَى أَهْلَ الذِّمَّةِ فِيهِ عَلَى شَرْطِهِ، لِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ مُؤَبَّدٌ.
فَإِنْ كَانَ فِي عَقْدِهِ مَا يَمْنَعُ مِنَ الشَّرْعِ، وَهُوَ أَنْ يُصَالِحَهُمْ عَلَى أَقَلَّ مِنْ دِينَارٍ، أَوْ يَشْتَرِطَ لَهُمْ شُرُوطًا يَمْنَعُ الشَّرْعُ مِنْهَا أَبْطَلَ الْإِمَامُ بَعْدَهُ ذَلِكَ، وَاسْتَأْنَفَ الصُّلْحَ مَعَهُمْ عَلَى مَا يَجُوزُ فِي الشَّرْعِ، فَإِنْ أَجَابُوهُ إِلَيْهِ غَيَّرَ فِي الديوان ما تقدم من الصلح الفاسد، وأثبتت فِيهِ مَا اسْتَأْنَفَهُ مِنَ الصُّلْحِ الْجَائِزِ.
وَإِنِ امْتَنَعُوا مِنْ إِجَابَتِهِمْ إِلَيْهِ نَقَضَ عَهْدَهُمْ، وَبَلَّغَهُمْ منهم، وَعَادُوا حرمًا.
(فَصْلٌ)
: فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا، وَتَطَاوَلَ الزَّمَانُ، وَأَشْكَلَ عَلَى إِمَامِ الْوَقْتِ قَدْرُ جِزْيَتِهِمْ، فَإِنِ اسْتَفَاضَتْ بِهَا الْأَخْبَارُ، وَانْتَشَرَ ذِكْرُهَا فِي الْأَمْصَارِ، عَمِلَ فِيهَا عَلَى الْخَبَرِ الْمُسْتَفِيضِ.
وَإِنْ لَمْ تُعْرَفِ اسْتِفَاضَتُهَا رَجَعَ إِلَى شَهَادَةِ الْعُدُولِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا شَهِدَ مِنْهُمْ عَدْلَانِ بِمِقْدَارٍ مِنَ الْجِزْيَةِ يَجُوزُ أَنْ يُصَالَحُوا عَلَى مِثْلِهِ حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ بِهِ عَدْلَانِ، وَكَانَ فِي دِيوَانِهِمُ الْمَوْضُوعِ بِجِزْيَتِهِمْ قَدْرُ جِزْيَتِهِمْ، وَشُرُوطِ صُلْحِهِمْ، فَإِنِ ارْتَابَ بِهِ وَلَمْ تَقَعْ فِي النَّفْسِ صِحَّتُهُ، لِخُطُوطٍ مُشْتَبِهَةٍ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْمَلَ عَلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute