تَقْدِيمُهَا فِي الصَّلَاةِ عَلَى الدُّخُولِ فِيهَا بِالتَّكْبِيرِ، لِأَنَّ مُرَاعَاةَ النِّيَّةِ مَعَ ابْتِدَاءِ الدُّخُولِ فِيهَا يَشُقُّ، وَأَمَّا دَاوُدُ فَإِنَّهُ اسْتَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ تَقْدِيمِ النِّيَّةِ بِأَنَّهُ لَوْ قَارَنَ النِّيَّةَ بِالتَّكْبِيرِ لَتَقَدَّمَ جُزْءٌ مِنَ التَّكْبِيرِ قَبْلَ النِّيَّةِ، كَمَا لَوْ تَأَخَّى بِنِيَّتِهِ طُلُوعَ الْفَجْرِ لَمْ يُجْزِهِ لِتَقَدُّمِ جُزْءٍ مِنْهُ قَبْلَ كَمَالِ نِيَّتِهِ
وَالدَّلِيلُ عَلَى أبي حنيفة فِي أَنَّ تَقْدِيمَ النِّيَّةِ لَا يَجُوزُ: أَنَّهُ إِحْرَامُ عُرِّيَ عَنِ النِّيَّةِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُجْزِئَهُ قِيَاسًا عَلَى الزَّمَانِ الْبَعِيدِ، وَيُفَارِقُ مَا اسْتُشْهِدَ بِهِ مِنَ الصِّيَامِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمَّا جَازَ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ فِيهِ بِالزَّمَانِ الْقَرِيبِ جَازَ بِالزَّمَانِ الْبَعِيدِ وَالصَّلَاةُ، لَمَّا لَمْ يَجُزْ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ عَلَيْهَا بِالزَّمَانِ الْبَعِيدِ لَمْ يَجُزْ بِالزَّمَانِ الْيَسِيرِ
وَالثَّانِي: أَنَّ دُخُولَهُ فِي الصِّيَامِ لَا يَفْعَلُهُ بِالزَّمَانِ فَشَقَّ عَلَيْهِ مُرَاعَاةُ النِّيَّةِ فِي أَوَّلِهِ وَدُخُولَهُ إِلَى الصَّلَاةِ بِفِعْلِهِ فَلَمْ يُشَقَّ عَلَيْهِ مُرَاعَاةُ النِّيَّةِ فِي أَوَّلِهَا
وَالدَّلِيلُ عَلَى دَاوُدَ: أَنَّ مَا وَجَبَ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ عَلَيْهِ لَمْ يَلْزَمِ اسْتِدَامَةُ النِّيَّةِ إِلَيْهِ كَالصِّيَامِ فَلَمَّا كَانَ وُجُوبُ النِّيَّةِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ مُعْتَبَرًا لَمْ يَكُنْ تَقْدِيمُهَا قبل الإحرام واجباً، وفيه انفصال
(فَصْلٌ)
: وَإِذَا أَحْرَمَ وَنَوَى ثُمَّ شَكَّ هَلْ كَانَتْ نِيَّتُهُ مُقَارِنَةً لِإِحْرَامِهِ أَوْ مُقَدِّمَةً؟ لَمْ تُجْزِهِ حَتَّى يَبْتَدِئَ الْإِحْرَامَ نَاوِيًا مَعَهُ، فَلَوْ تَيَقَّنَ بَعْدَ شَكِّهِ مُقَارَنَةَ النِّيَّةِ لِإِحْرَامِهِ فَإِنْ تَيَقَّنَ بَعْدَ أَنْ عَمِلَ فِي صَلَاتِهِ بَعْدَ الشَّكِّ عَمَلًا مِنْ قِرَاءَةٍ، أَوْ رُكُوعٍ فَصَلَاتُهُ باطلة، وإن تقين قبل أن عمل فِيهَا عَمَلًا فَإِنْ كَانَ الزَّمَانُ قَرِيبًا فَصَلَاتُهُ جَائِزَةٌ وَيُتَمِّمُهَا وَإِنْ كَانَ الزَّمَانُ قَدْ خَرَجَ عَنْ حَدِّ الْقُرْبِ إِلَى حَدِّ الْبُعْدِ فَفِي صَلَاتِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: بَاطِلَةٌ وَيَسْتَأْنِفُهَا، لِأَنَّ اللُّبْثَ فِيهَا عَمَلٌ مِنْهَا
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: صَلَاتُهُ جَائِزَةٌ وَيُتَمِّمُهَا، لِأَنَّ اللُّبْثَ مَقْصُودٌ لِإِيقَاعِ الْفِعْلِ فِيهَا، وَلَيْسَ هُوَ الْمَقْصُودَ مِنْ عَمَلِهَا، وَهَكَذَا لَوْ شَكَّ هَلْ نَوَى ظُهْرًا، أَوْ عَصْرًا لَمْ يُجْزِهِ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّى يَتَيَقَّنَهَا فَإِنْ تَيَقَّنَهَا بَعْدَ الشَّكِّ فَعَلَى مَا مَضَى مِنَ التقسيم والجواب
[(مسألة)]
: قال الشافعي: " وَلَا يُجْزِئُهُ إِلَّا قَوْلُهُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَوِ اللَّهُ الْأَكْبَرُ "
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: لَا يَصِحُّ دُخُولُهُ فِي الصَّلَاةِ مُحْرِمًا إِلَّا بِلَفْظِ التَّكْبِيرِ وَهُوَ قَوْلُهُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، أَوِ اللَّهُ الْأَكْبَرُ
وَقَالَ مَالِكٌ وَدَاوُدُ: لَا يَصِحُّ إِلَّا بِقَوْلِهِ اللَّهُ أَكْبَرُ فَأَمَّا بِقَوْلِهِ اللَّهُ الْأَكْبَرُ فَلَا يَصِحُّ
وَقَالَ أبو يوسف: يَصِحُّ بِسَائِرِ أَلْفَاظِ التَّكْبِيرِ [مِنْ قَوْلِهِ] اللَّهُ أَكْبَرُ، أَوِ اللَّهُ الْأَكْبَرُ، أَوِ اللَّهُ الْكَبِيرُ