للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والباطنة اعتدي واذهبي وَالْحَقِي بِأَهْلِكِ، وَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ وَلَا حَاجَةَ لِي فِيكِ وَانْكَحِي مَنْ شِئْتِ وَاسْتَبْرِئِي وَتَقَنَّعِي وَقُومِي وَاخْرُجِي وَتَجَرَّعِي، وَذُوقِي وَكُلِي وَاشْرَبِي وَاخْتَارِي وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ عَلَى مَا سَنَشْرَحُهُ، وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ الضَّرْبَيْنِ عِنْدَنَا سَوَاءٌ، وَحُكْمُ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ عِنْدَنَا وَاحِدٌ. فَإِنِ اقْتَرَنَ بِالنِّيَّةِ وَقَعَ بِهِ الطَّلَاقُ وَإِنْ تَجَرَّدَ عَنْهَا لَمْ يَقَعْ.

وَقَالَ مَالِكٌ: الْكِنَايَاتُ الظَّاهِرَةُ يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، فَإِنْ نَوَى بِهَا وَاحِدَةً كَانَتْ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا مَا نَوَى، وَفِي الْمَدْخُولِ بِهَا ثَلَاثًا.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: جميع الكنايات الظاهرة يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ، إِذَا قَارَنَهَا أَحَدُ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: النِّيَّةُ أَوِ الْغَضَبُ أَوْ طَلَبُ الطَّلَاقِ، وَلَكِنْ مَا كَانَ ظَاهِرًا وَقَعَ بَائِنًا، وَمَا كَانَ مِنْهَا بَاطِنًا وَقَعَ رَجْعِيًّا، إِلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِمَا ثَلَاثًا فَتَكُونَ ثَلَاثًا، وَلَوْ أَرَادَ اثْنَتَيْنِ، لَمْ تَكُنْ إِلَّا وَاحِدَةً، وَلَوْ أَرَادَ بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ ثَلَاثًا أَوِ اثْنَتَيْنِ، لَمْ تَكُنْ إِلَّا وَاحِدَةً، وَلَهُ فِي كُلِّ لَفْظَةٍ مَذْهَبٌ يَطُولُ شَرْحُهُ، لَكِنَّ تَقْرِيبَ جُمْلَتِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ فصار الخلاف معه في أربعة فصول:

أحدهما: أَنَّ الْغَضَبَ وَالطَّلَبَ هَلْ يَقُومَانِ فِي الْكِنَايَةِ مَقَامَ النِّيَّةِ أَمْ لَا؟ .

وَالثَّانِي: أَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِالْكِنَايَاتِ الظَّاهِرَةِ هَلْ يَكُونُ بَائِنًا أَمْ لَا؟ .

وَالثَّالِثُ: إِذَا أَرَادَ بِالْكِنَايَاتِ اثْنَتَيْنِ هَلْ تَكُونُ اثْنَتَيْنِ أَمْ لَا؟ .

وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ أَرَادَ بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثَ هَلْ تَكُونُ ثَلَاثًا أَمْ لَا؟ .

فَأَمَّا الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: فِي الطَّلَبِ وَالْغَضَبِ فَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِيهِمَا، وَذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لَهُمَا فِي صَرِيحٍ وَلَا كِنَايَةٍ.

(فَصْلٌ:)

وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِالْكِنَايَاتِ الظَّاهِرَةِ، هَلْ يَكُونُ رَجْعِيًّا إِذَا لَمْ يرد به ثلاثاً، فعندنا يَكُونُ رَجْعِيًّا إِنْ أَرَادَ بِهِ وَاحِدَةً أَوِ اثنتين، أو لم تكن له نية في عدده.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَكُونُ بَائِنًا، لَا يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ قَوْلَهُ: أَنْتِ بَائِنٌ لفظ يقتضي البينونة فوجب أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ بِهِ بَائِنًا كَالثَّلَاثِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَعْمَلَ هَذَا اللَّفْظُ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ، فَيَجِبُ أَنْ يَقَعَ عَلَى مُقْتَضَاهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ تَجَرَّدَتِ النِّيَّةُ عَنْ لَفْظٍ عَامِلٍ، فَيَجِبُ أَنْ لَا يَقَعَ بِهِ طَلَاقٌ.

وَدَلِيلُنَا حَدِيثُ رُكَانَةَ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ حِينَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ سُهَيْمَةَ الْبَتَّةَ، فَسَأَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَمَّا أَرَادَ بِالْبَتَّةَ فَقَالَ: وَاحِدَةً فَأَحْلَفَهُ عَلَيْهَا، وَرَدَّهَا عَلَيْهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَا تَكُونُ ثَلَاثًا. فَخَالَفَ قَوْلَ مَالِكٍ وَتَكُونُ رَجْعِيَّةً بِخِلَافِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَرُوِيَ أَنَّ الْمُطَّلِبَ بْنَ حنطب

<<  <  ج: ص:  >  >>