جَاهِلَةً بِالتَّحْرِيمِ فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ، وَإِنْ كَانَتْ عَالِمَةً، فَإِنْ أَكْرَهَهَا فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ، وَإِنْ طَاوَعَتْهُ فَعَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَعَلَى مَذْهَبِ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ عَلَيْهِ الْمَهْرُ.
وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَحْكَامَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالْوَطْءِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ:
ضَرْبٌ يُعْتَبَرُ بِالْوَاطِئِ، وَضَرْبٌ يُعْتَبَرُ بِالْمَوْطُوءَةِ وَضَرْبٌ يُعْتَبَرُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
فَالَّذِي يُعْتَبَرُ بِالْوَاطِئِ: هُوَ النَّسَبُ وَالْعِدَّةُ فَإِنْ كَانَ لَهُ شُبْهَةٌ لَحِقَ بِهِ النَّسَبُ وَوَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ شُبْهَةٌ انْتَفَى عَنْهُ النَّسَبُ وَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ.
وَالَّذِي يُعْتَبَرُ بِالْمَوْطُوءَةِ: وُجُوبُ الْمَهْرِ، فَإِنْ كَانَ لَهَا شُبْهَةٌ وجب لها المهر وَإِنْ لَمْ تَكُنْ شُبْهَةً سَقَطَ الْمَهْرُ.
وَالَّذِي يَعْتَبِرُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: الْحَدُّ. فَإِنْ كَانَ لَهُمَا شُبْهَةٌ سَقَطَ عَنْهُمَا الْحَدُّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا شُبْهَةٌ وَجَبَ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا شُبْهَةٌ دُونَ الْآخَرِ سَقَطَ عَمَّنْ لَهُ الشبهة دون الآخر.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ كَانَ رَبُّهَا أَذِنَ لَهُ فِي وَطْئِهَا وكان يجهل درىء عَنْهُ الْحَدُّ وَلَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ وَكَانَ حُرًّا وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ سَقَطَ وَفِي الْمَهْرِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ عَلَيْهِ الْغُرْمَ وَالْآخَرُ لَا غُرْمَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَبَاحَهَا لَهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي وَطْءِ الْمُرْتَهِنِ بِغَيْرِ إِذْنِ الرَّاهِنِ. فَأَمَّا إِذَا وَطِئَ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ فَالْإِذْنُ غَيْرُ مُبِيحٍ لَهُ الْوَطْءَ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يُسْتَبَاحُ إِلَّا بِمِلْكٍ أَوْ نِكَاحٍ.
فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَعَلَى الرَّاهِنِ الْآذِنِ التَّعْزِيرُ لِإِقْدَامِهِ عَلَى إِبَاحَةِ الْمُحَرَّمَاتِ.
وَأَمَّا الْمُرْتَهِنُ الْوَاطِئُ فَلَا يَخْلُو حَالُهُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أن يكون عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ، أَوْ جَاهِلًا بِهِ.
وَشُبْهَتُهُ فِي الْجَهَالَةِ بِتَحْرِيمِهِ مَعَ إِذْنِ الرَّاهِنِ أَقْوَى مِنْ شُبْهَتِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ: فَعَلَى مَا مَضَى مِنْ وُجُوبِ الْحَدِّ، وَانْتِفَاءِ النَّسَبِ وَاسْتِرْقَاقِ الْوَلَدِ.
وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا بِالتَّحْرِيمِ سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ، وَلَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ، وَكَانَ حُرًّا.
وَأَمَّا الْمَهْرُ فَإِذَا قُلْنَا: إِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إِذَا وَطِئَ بِغَيْرِ إِذْنِ الرَّاهِنِ فَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَوْلَى أَلَّا يَجِبَ وَهُوَ أَنْ تُطَاوِعَهُ الْجَارِيَةُ عَالِمَةً بِالتَّحْرِيمِ، فَلَا مَهْرَ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لِوُجُوبِ الحد على الموطوءة.