للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ. وَشَهَادَتُهُ إِذَا تَابَ مَقْبُولَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: ٤، ٥] .

وَقَدْ وَافَقَ مَالِكٌ عَلَى أَنَّ شَهَادَةَ الْقَاذِفِ إِذَا تَابَ بَعْدَ حَدِّهِ، أَنَّ شَهَادَتَهُ مَقْبُولَةٌ فِي الْقَذْفِ وَغَيْرِهُ. وَكَذَلِكَ حُكْمُ مَنْ حُدَّ فِي غَيْرِهِ.

وَتَحْرِيرُ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ قِيَاسًا، أَنَّ مَنْ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ فِي غَيْرِ مَا حُدَّ فِيهِ، قُبِلَتْ فِيمَا حُدَّ فِيهِ كَالْقَاذِفِ.

وَلَيْسَ لِلتَّعْلِيلِ بِالِارْتِيَابِ وَجْهٌ، لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَعَمَّ وَلَمْ يَخُصَّ.

وَلَا دَلِيلَ فِيمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ، لِتَوَجُّهِهِ إِلَى مَا قَبْلَ التَّوْبَةِ، فَلَمْ يُحْمَلْ عَلَى مَا بَعْدَهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

( [الْقَوْلُ فِي شَهَادَةِ أَهْلِ الْقُرَى وَالْبَوَادِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ] )

(مَسْأَلَةٌ)

: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَالْقَرَوِيِّ عَلَى الْبَدَوِيِّ وَالْبَدَوِيِّ عَلَى الْقَرَوِيِّ إِذَا كَانُوا عُدُولًا ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا كَانَ الْبَدَوِيُّ عَدْلًا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ عَلَى الْقَرَوِيِّ، كَمَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْقَرَوِيِّ عَلَى الْبَدَوِيِّ.

وَقَالَ مَالِكٌ: أَقْبَلُ شَهَادَةَ الْقَرَوِيِّ عَلَى الْبَدَوِيِّ، وَلَا أَقْبَلُ شَهَادَةَ الْبَدَوِيِّ عَلَى الْقَرَوِيِّ. إِلَّا فِي الْجِرَاحِ.

اسْتِدْلَالًا بِرِوَايَةِ عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا أَقْبَلُ شَهَادَةَ الْبَدَوِيِّ عَلَى صَاحِبِ قَرْيَةٍ ".

وَلِأَنَّ مَا خَرَجَ عَنِ الْعُرْفِ رِيبَةٌ فِي الشَّهَادَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلا تَرْتَابُوا} [البقرة: ٢٨٢] وَالْعُرْفُ جَارٍ بِأَنَّ الْبَدَوِيَّ يَشْهَدُ لِلْقَرَوِيِّ، وَلَمْ يَجْرِ الْعُرْفُ بِإِشْهَادِ الْقَرَوِيِّ لِلْبَدَوِيِّ، فَصَارَ بِخُرُوجِهِ عَنِ الْعُرْفِ مَتْهُومًا.

وَدَلِيلُنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَبِلَ شَهَادَةَ الْأَعْرَابِيِّ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ وَصَامَ، وَأَمْرَ النَّاسَ بِالصِّيَامِ.

وَلِأَنَّ اخْتِلَافَ الْأَوْطَانِ لَا تُؤَثِّرُ فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ كَأَهْلِ الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى.

وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ فِي الْجِرَاحِ أَغْلَظُ مِنْهَا فِي الْأَمْوَالِ فَلَمَّا قُبِلَتْ شَهَادَةُ الْبَدَوِيِّ عَلَى الْقَرَوِيِّ فِي الْجِرَاحِ، كَانَ أَوْلَى أَنَّ تُقْبَلَ فِي غير الجراح.

<<  <  ج: ص:  >  >>