قَالَ الشَّافِعِيُّ: " وَاسْتُحِبَّ أَنْ يَقْرَأَ ثَمَانِيَ آيَاتٍ لِتَكُونَ الْآيَةُ الثَّامِنَةُ بَدَلًا مِنَ السُّورَةِ "، فَلَوْ كَانَ يُحْسِنُ آيَةً مِنَ الْفَاتِحَةِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يُكَرِّرُهَا سَبْعَ مَرَّاتٍ، لِأَنَّ حُرْمَةَ الْفَاتِحَةِ أَوْكَدُ مِنْ غَيْرِهَا، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " فَاتِحَةُ الْكِتَابِ عِوَضٌ عَنِ الْقُرْآنِ " فَلَمَّا جَعَلَهَا عَلَيْهِ السَّلَامُ عِوَضًا عَنِ الْقُرْآنِ، وَلَمْ يَجْعَلِ الْقُرْآنَ عِوَضًا عَنْهَا دَلَّ عَلَى أَنَّ تَكْرَارَهَا أَفْضَلُ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَقْرَأُ الْآيَةَ مِنَ الْفَاتِحَةِ وَيَقْرَأُ مَعَهَا سِتَّ آيَاتٍ مِنْ غَيْرِهَا
وَهَذَا صَحِيحٌ، لِأَنَّ الْقُرْآنَ بَدَلٌ مِنَ الْفَاتِحَةِ إِذَا لَمْ يُحْسِنْهَا فَوَجَبَ إِذَا كَانَ يُحْسِنُ بعضها أن يكون بدل مِمَّا يُحْسِنُهُ مِنْهَا
(فَصْلٌ)
: فَإِذَا لَمْ يُحْسِنِ الْفَاتِحَةَ وَلَا شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُسَبِّحَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَيَحْمَدَهُ بَدَلًا مِنَ الْقِرَاءَةِ
وَقَالَ أبو حنيفة: قَدْ سَقَطَ عَنْهُ فَرْضُ الذِّكْرِ، وَهَذَا خَطَأٌ وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ رِوَايَةُ رِفَاعَةَ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَلْيَتَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ لِيُكَبِّرْ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ فَلْيَقْرَأْ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ سُبْحَانَهُ، وَلْيُكَبِّرْهُ، وَلْيَرْكَعْ حَتَى يَطْمَئِنَّ رَاكِعًا " وَذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَوْفَى أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَجِدَ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ فَعَلِّمْنِي مَا يَجْزِينِي مِنَ الْقِرَاءَةِ فَقَالَ: " قُلْ سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ " فَقَالَ: هَذَا لِلَّهِ فَمَا لِي فَقَالَ: قُلْ اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي، وَارْزُقْنِي، وَعَافِنِي فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ وَهُوَ يُشِيرُ إِلَى يَدَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَمَّا هَذَا فَقَدْ مَلَأَ يَدَيْهِ خَيْرًا "
فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ بَدَلًا مِنَ الْقِرَاءَةِ مَا عَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْأَعْرَابِيَّ ثُمَّ فِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَقُولُ ذَلِكَ بَعْدَ كَلِمَاتِ الْفَاتِحَةِ وَحُرُوفِهَا
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ مِنْ ذَلِكَ تَقُومُ مَقَامَ آيَةٍ وَهِيَ خَمْسُ كَلِمَاتٍ تَقُومُ مَقَامَ خَمْسِ آيَاتٍ فَيَأْتِي بِكَلِمَتَيْنِ وَيُجْزِئُهُ، فَلَوْ كَانَ يُحْسِنُ آيَةً من القرآن ففيه وجهان:
أحدهما: أن يُكَرِّرُهَا سَبْعَ مَرَّاتٍ
وَالثَّانِي: يَقْرَأُ الْآيَةَ ثُمَّ يُتَمِّمُ ذَلِكَ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرِ، فَلَوْ لَمْ يُحْسِنِ التَّكْبِيرَ بِالْعَرَبِيَّةِ جَازَ لَهُ أَنْ يُسَبِّحَ وَيُكَبِّرَ بِالْفَارِسِيَّةِ، وَعَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا تَعْلِيمُ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ تَعْلِيمُ الْفَاتِحَةِ وَلَمْ يَتَعَلَّمْ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، لِأَنَّ الْقَادِرَ عَلَى التَّوَصُّلِ إِلَى الشَّيْءِ فِي حُكْمِ الْقَادِرِ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى التَّوَصُّلِ إِلَى الْمَاءِ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّيَمُّمُ، وَمَنْ قَدَرَ عَلَى ثَمَنِ الرَّقَبَةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّكْفِيرُ بِالصِّيَامِ، وَمَنْ قَدَرَ عَلَى ثَمَنِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ لَزِمَهُ الْحَجُّ فَكَذَلِكَ إِذَا قَدَرَ