أَحَدُهُمَا: أِنَّهُ لَمَّا كَانَ لَوْ قَالَ مُبْتَدِئًا: كُلُّ نِسَائِي طَوَالِقُ، طُلِّقَتْ هَذِهِ الْحَاضِرَةُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ سَائِلَةً فِي الطَّلَاقِ لِعُمُومِهَا، لِدُخُولِهَا فِي عُمُومِ اللَّفْظِ دُونَ سَبَبِهِ، فَلِذَلِكَ قُلْنَا: إِنَّهُنَّ يُطَلَّقْنَ جَمِيعًا فَقَدْ صَارَ مَالِكٌ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ تَارِكًا لِمَذْهَبِهِ وَمَذْهَبِنَا. فَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ، بِأَنَّ عُدُولَهُ عَنِ الْمُوَاجَهَةِ يُخْرِجُهَا مِنَ الْخِطَابِ، فَتَفْسَدُ بِهِ إِذَا قَالَ مُبْتَدِئًا؛ لِأَنَّهَا تَدْخُلُ فِي الطَّلَاقِ وَلَوْ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا الْخِطَابُ لَمْ تُطَلَّقْ.
(فَصْلٌ:)
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ فِي عَزْلِ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَلَا تُطَلَّقُ الْمَعْزُولَةُ مِنْهُنَّ سَوَاءٌ كَانَتِ السَّائِلَةَ أَوْ غَيْرَهَا، ويطلق من سوها.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تُطَلَّقُ الْمَعْزُولَةُ مِنْهُنَّ سَوَاءٌ فِي الْعُمُومِ كَدُخُولِهَا فِي التَّعْيِينِ وَهَذَا فَاسِدٌ، لِأَنَّ اللَّفْظَ يَصْلُحُ لِجَمَاعَتِهِنَّ مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءِ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ كَمَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، وَإِذَا صَلُحَ لِكِلَا الْأَمْرَيْنِ جَازَ أَنْ يَصْرِفَهُ إِلَى أَيِّهِمَا شَاءَ كَالْعُمُومِ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ خَالَفَ التَّعْيِينَ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ طَلَاقَ الْمَعْزُولَةِ لَا يَقَعُ فَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا، فَإِنِ اتَّهَمَتْهُ الْمَعْزُولَةُ أَحْلَفْتُهُ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا تُطَلَّقُ فِي الْبَاطِنِ، وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، ويطلق فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ، لِأَنَّ إِطْلَاقَ الْقَوْلِ يُخَالِفُ تَقْيِيدَ النِّيَّةِ، فَدِينَ فِيهِ وَلَمْ يُقْبَلْ فِي الْحُكْمِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute