يَكُونَ إِخْبَارًا عَنْ يَمِينٍ مَاضِيَةٍ. وَإِذَا احْتَمَلَ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ لَمْ يَخْلُ حَالُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يُرِيدَ يَمِينًا فِي الْحَالِ فَتَكُونَ يَمِينًا مُنْعَقِدَةً، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَأقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أيْمَانِهِمْ) {الأنعام: ١٠٩) .
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَقُولَهُ مُطْلَقًا لَمْ تَقْتَرِنْ بِهِ إِرَادَةٌ، فَتَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَنَ بِإِطْلَاقِهَا عُرْفَانِ، عُرْفُ شَرْعٍ وَعُرْفُ اسْتِعْمَالٍ. فَعُرْفُ الشَّرْعِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الْآيَةِ وَعُرْفُ الِاسْتِعْمَالِ قَوْلُهُمْ فِي أَيْمَانِهِمْ: أَقْسَمْتُ بِاللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ إِطْلَاقُهُ مَحْمُولًا عَلَى الْعُرْفَيْنِ مِنَ انْعِقَادِ الْيَمِينِ وَلُزُومِ الْكَفَّارَةِ.
وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يُرِيدَ بِهِ يَمِينًا حَلَفَ بِهَا مُنْعَقِدَةً، فَإِنْ عُلِمَ تَقَدُّمُ يَمِينِهِ كَانَ الْعِلْمُ بِهَا مُوَافِقًا لِإِرَادَتِهِ، فَلَا تَنْعَقِدُ يَمِينُهُ فِي الْحَالِ، وَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ لَهُ يَمِينٌ مُتَقَدِّمَةٌ، فَقَدْ قَالَ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ " لَا تَكُونُ يَمِينًا " لِاحْتِمَالِ مَا قَالَ فِي كِتَابِ الْإِيلَاءِ: تَكُونُ يَمِينًا مُنْعَقِدَةً اعْتِبَارًا بِعُرْفِ الشَّرْعِ وَالِاسْتِعْمَالِ، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: الْجَمْعُ بَيْنَ الْجَوَابَيْنِ وَتَخْرِيجُهُ فِي الْيَمِينِ وَالْإِيلَاءِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: تَنْعَقِدُ فِي الْأَيْمَانِ وَالْإِيلَاءِ.
وَالثَّانِي: لَا تَنْعَقِدُ فِي الْأَيْمَانِ وَالْإِيلَاءِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: حَمْلُ الْجَوَابِ عَلَى ظَاهِرِهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَيَلْزَمُ فِي الْإِيلَاءِ وَلَا يَلْزَمُ فِي الْأَيْمَانِ لِأَنَّ فِي الْإِيلَاءِ حَقًّا لِآدَمِيِّينَ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِإِرَادَتِهِ، وَهُوَ فِي الْأَيْمَانِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَحْضَةِ، فَجَازَ أَنْ يَدِينَ فِيهِ على إرادته.
[(مسألة:)]
قال الشافعي: " وَإِنْ قَالَ أُقْسِمُ بِاللَّهِ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ ".
قَالَ الماوري: وَهَذَا صَحِيحٌ. إِذَا لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى، وَاقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: أُقْسِمُ لَا فَعَلْتُ كَذَا، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي انْعِقَادِهِ يَمِينًا عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ:
أَحَدُهَا: وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا لَا تَكُونُ يَمِينًا سَوَاءٌ أَرَادَ الْيَمِينَ أَوْ لَمْ يُرِدْهَا.
وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي: مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ: تَكُونُ يَمِينًا أَرَادَ الْيَمِينَ أَوْ لَمْ يُرُدْهَا.
وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: مَا قَالَهُ مَالِكٌ: إِنْ أَرَادَ الْيَمِينَ كَانَتْ يَمِينًا، وَإِنْ لَمْ يُرِدِ الْيَمِينَ لَمْ تَكُنْ يَمِينًا، وَهَكَذَا. لَوْ قَالَ: أَحْلِفُ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَشْهَدُ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا كَانَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي جَمِيعِهِ أَنَّهَا لَا تَكُونُ يَمِينًا حَتَّى يُقْرِنَهُ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى: فَيَقُولَ: أُقْسِمُ بِاللَّهِ أَوْ أشهد بالله واستدل من جعله يميناً يقول الله تعالى: {وَإذاَ أقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ) {القلم: ١٧) . فَدَلَّ عَلَى