للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ رَقِيَ عَلَى شَجَرَةٍ خَارِجَ الدَّارِ، وَأَغْصَانُهَا فِي الدَّارِ، وَعَدَلَ عَنْ أَغْصَانِهَا الدَّاخِلَةِ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ صَارَ فَوَقَ أَغْصَانِهَا الدَّاخِلَةِ نُظِرَ فِيهَا فَإِنْ كَانَتِ الْأَغْصَانُ فَوْقَ السَّطْحِ، لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ كَانَتْ دُونَ السَّطْحِ حَنِثَ، وَلَوْ جَلَسَ خَارِجَ الدَّارِ فِي مَاءٍ يَجْرِي إِلَى الدَّارِ، فَحَمَلَهُ الْمَاءُ إِلَيْهَا حَنِثَ، وَصَارَ الْمَاءُ كَالدَّابَّةِ، إِذَا رَكِبَهَا فَأَدْخَلَتْهُ الدَّار حَنِثَ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِهِمَا دَاخِلًا، إِلَى الدَّارِ، وَلَوْ رَقِيَ عَلَى سُورِهَا فَأَلْقَتْهُ الرِّيحُ إِلَيْهَا لَمْ يَحْنَثْ، إِنْ بَادَرَ بِالْخُرُوجِ مِنْهَا، لِأَنَّ دُخُولَهَا مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ، وَلَوْ أَدْخَلَ إِحْدَى رِجْلَيْهِ مِنْ بَابِ الدَّارِ دُونَ الْأُخْرَى، لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّ الدُّخُولَ لَمْ يَكْمُلْ، وَلَوْ ثَقَبَ حَائِطَ الدَّارِ، وَدَخَلَ إِلَيْهَا مِنْ ثُقْبِهَا، حَنِثَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا مِنْ بَابِهَا، فَيُحْمَلُ عَلَى مَا نَوَاهُ، وَلَا يَحْنَثُ بِالدُّخُولِ مِنْ غَيْرِ الْبَابِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(مَسْأَلَةٌ:)

قال الشافعي: " وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا وَهُوَ لَابِسُهُ وَلَا يَرْكَبُ دَابَّةً وَهُوَ رَاكِبُهَا فَإِنْ نَزَعَ أَوْ نَزَلَ مَكَانَهُ وَإِلَّا حَنِثَ وَكَذَلِكَ مَا أَشْبَهَهُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ مِنَ الْأَفْعَالِ يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: مَا يَحْنَثُ فِيهِ بِابْتِدَاءِ الْفِعْلِ، وَاسْتَدَامَتِهِ، وَهُوَ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ السُّكْنَى، وَاللِّبَاسُ، وَالرُّكُوبُ، وَالْغَصْبُ، وَالْجِمَاعُ، فَإِذَا حَلَفَ لَا سَكَنْتُ دَارًا حَنِثَ بِأَنْ يَبْتَدِئَ سُكْنَاهَا، وَحَنِثَ بِأَنْ يَكُونَ سَاكِنًا فِيهَا، فَيَسْتَدِيمُ سُكْنَاهَا إِلَّا أَنْ يُبَادِرَ بِالْخُرُوجِ مِنْهَا.

وَلَوْ حَلَفَ لَا لَبِسْتُ ثَوْبًا حَنِثَ بِأَنْ يَبْتَدِئَ لِبَاسَهُ، وَحَنِثَ أَنْ يَكُونَ لَابِسَهُ، فَيَسْتَدِيمُ لِبَاسُهُ إِلَّا أَنْ يُبَادِرَ بِنَزْعِهِ.

وَلو حَلَفَ " لَا يَرْكَبُ دَابَّةً، حَنِثَ " بِأَنْ يَبْتَدِئَ رُكُوبَهَا وَحَنِثَ بِأَنْ يَكُونَ رَاكِبًا، فَيَسْتَدِيمُ رُكُوبُهَا إِلَّا أَنْ يُبَادِرَ بِالنُّزُولِ عَنْهَا، وَلَوْ حَلَفَ: لَا غَصَبْتُ مَالًا؛ حَنِثَ بِأَنْ يَبْتَدِئَ بِالْغَصْبِ، وَحَنِثَ بِأَنْ يَكُونَ غَاصِبًا، فَيَسْتَدِيمُ الْغَصْبُ إِلَّا أَنْ يُبَادِرَ بِرَدِّهِ.

وَلَوْ حَلَفَ، لَا جَامَعْتُ حَنِثَ بِأَنْ يَبْتَدِئَ الْجِمَاعَ، وَحَنِثَ بِأَنْ يَكُونَ مُجَامِعًا، فَيَسْتَدِيمُ الْجِمَاعُ إِلَّا أَنْ يُبَادِرَ بِالْإِخْرَاجِ.

وَإِنَّمَا حَنِثَ فِي هَذِهِ الْخَمْسَةِ بِالِابْتِدَاءِ، وَالِاسْتِدَامَةِ لِأَنَّ اسْمَ الْفِعْلِ مُنْطَلِقٌ عَلَيْهِ فِي الْحَالَيْنِ، فَاسْتَوَى حُكْمُهُمَا فِي الْحِنْثِ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مَا يَحْنَثُ بِابْتِدَاءِ الْفِعْلِ، وَلَا يَحْنَثُ بِاسْتِدَامَتِهِ، وَهُوَ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ النِّكَاحُ وَالْإِحْرَامُ، وَالرَّهْنُ وَالشِّرَاءُ، وَالْوَقْفُ، فَإِذَا حَلَفَ لَا يَنْكِحُ، وَقَدْ نَكَحَ. وَأَنْ لَا يُحْرِمَ وَقَدْ أَحْرَمَ، أَوْ لَا يَرْهَنَ، وَقَدْ رَهَنَ، أَوْ لَا يَقِفَ وَقَدْ وَقَفَ، لَمْ يَحْنَثْ، حَتَّى يَسْتَأْنِفَ نِكَاحًا، وَإِحْرَامًا، وَرَهْنًا، وَشِرَاءً، وَوَقْفًا، لِأَنَّهَا عُقُودٌ. فَلَمْ يَحْنَثْ بِاسْتِدَامَتِهَا لِتَقَدُّمِ العقد فيها.

<<  <  ج: ص:  >  >>