للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موضحتان فإن قال شَقَقْتُهَا مِنْ رَأْسِي وَقَالَ الْجَانِي بَلْ تَأَكَّلَتْ مِنْ جِنَايَتِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُمَا وَجَبَتَا لَهُ فَلَا يُبْطِلُهُمَا إِلَّا إِقْرَارُهُ أَوْ بَيِّنَةٌ عَلَيْهِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا كَانَ فِي وَسَطِ الْمُوضِحَةِ حَاجِزٌ بَيْنَ طَرَفِهَا لَمْ يَخْلُ ذَلِكَ الْحَاجِزُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ جِلْدَةَ الرَّأْسِ وَمَا تَحْتَهَا مِنَ اللَّحْمِ، فَيَكُونُ هَذَا الْحَاجِزُ فَصْلًا بَيْنَهُمَا فَتَصِيرُ مُوضِحَتَيْنِ، وَيَلْزَمُهُ فِيهِمَا دِيَتَانِ، سَوَاءٌ صَغُرَ الْحَاجِزُ وَدَقَّ أَوْ كَبُرَ وَغَلُظَ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْحَاجِزُ بَيْنَهُمَا لَحْمًا بَعْدَ انْقِطَاعِ الْجِلْدِ عَنْهُ فَصَارَ بِهِ مَا بَقِيَ مِنَ اللَّحْمِ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْجِلْدِ حَارِصَةً أَوْ مُتَلَاحِمَةً فَهِيَ مُوضِحَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ دِيَتِهَا، سَوَاءٌ قَلَّ اللَّحْمُ أَوْ كَثُرَ، انْكَشَفَ عِنْدَ الِانْدِمَالِ أَوْ لَمْ يَنْكَشِفْ، وَهَكَذَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي طَرَفَيِ الْمُوضِحَةِ مَعَ إِيضَاحِ وَسَطِهَا لَمْ يَلْزَمْهُ إِلَّا دِيَتُهَا، وَدَخَلَ حُكُومَةُ الْحَارِصَةِ وَالْمُتَلَاحِمَةِ وَالسِّمْحَاقِ فِيهَا، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، لِأَنَّهُ لَوْ أَوْضَحَ مَا لَمْ يُوَضِّحْهُ مِنْهَا لَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِنْ دِيَتِهَا فَبِأَنْ لَا يَلْزَمَهُ إِذَا لَمْ يُوَضِّحْهُ أَوْلَى.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْحَاجِزُ بَيْنَهُمَا هُوَ الْجِلْدَ بَعْدَ انْخِرَاقِ مَا تَحْتَهُ مِنَ اللَّحْمِ حَتَّى وُضِعَ بِهِ الْعَظْمُ فَصَارَتْ مُوضِحَتَيْنِ فِي الظَّاهِرِ وَوَاحِدَةً فِي الْبَاطِنِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمَا مُوضِحَتَانِ اعْتِبَارًا بِالظَّاهِرِ فِي الِانْفِصَالِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهَا مُوضِحَةٌ وَاحِدَةٌ اعْتِبَارًا بِالْبَاطِنِ فِي الِاتِّصَالِ.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ حُكْمِ الْمُوضِحَتَيْنِ بِالْحَاجِزِ بَيْنَهُمَا مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ فَانْخَرَقَ الْحَاجِزُ بَيْنَهُمَا حَتَّى اتَّصَلَتِ الْمُوَضِحَتَانِ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ تَنْخَرِقَ بِالسِّرَايَةِ الَّتِي تَآكَلَ بِهَا الْحَاجِزُ حَتَّى انْخَرَقَ فَتَكُونَ مُوضِحَةً وَاحِدَةً، لِأَنَّ مَا حدث عن الجناية من سرائة كَانَ مُضَافًا إِلَيْهَا وَالْجَانِي مَأْخُوذٌ بِهَا.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَنْخَرِقَ الْحَاجِزُ بِقَطْعِ قَاطِعٍ فَلَا يَخْلُو حَالُ قَاطِعِهِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ هُوَ الْجَانِيَ يَعُودُ فَيَقْطَعُهُ فَتَكُونُ مُوضِحَةً وَاحِدَةً، لِأَنَّ أَفْعَالَ الْجَانِي يُبْنَى بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ ثُمَّ عَادَ فَقَتَلَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ إِلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ لَزِمَهُ دِيَتَانِ فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَقْطَعَهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فَيَلْزَمُ الْجَانِيَ مُوضِحَتَانِ، لِأَنَّ فِعْلَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لَا يُبْنَى عَلَى فِعْلِ الْجَانِي كَمَا لَوْ قَطَعَ الْجَانِي يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَقَتَلَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ نَفْسَهُ كَانَ عَلَى الْجَانِي دِيَتَانِ فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>