فَأَمَّا الْخَبَرُ وَالْأَثَرُ فَالْمُرَادُ بِهِمَا بَيَانُ مَحَلِّ الْعَقْلِ أَنَّهُمُ الْعَصَبَاتُ ثُمَّ تَقِفُ التَّعْيِين عَلَى مَا يُوجِبُهُ التَّرْتِيبُ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَأَوَّلُ الْعَصَبَاتِ دَرَجَةً فِي تَحَمُّلِ الدِّيَةِ الْإِخْوَةُ، وَقَدْرُ مَا يَتَحَمَّلُهُ الْمُوسِرُ مِنْهُمْ فِي كُلِّ سَنَةٍ نِصْفُ دِينَارٍ، وَالْمُتَوَسِّطُ رُبُعُ دِينَارٍ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ، وَيَخْرُجُ مِنَ الْإِخْوَةِ مَنْ كَانَ لِأُمٍّ، وَيَتَحَمَّلُهَا مِنْهُمْ مَنْ كَانَ لِأَبٍ وَأُمٍّ، أَوْ لِأَبٍ، فَإِنِ اجْتَمَعُوا فَهَلْ يُقَدَّمُ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ فِي تَحَمُّلِهَا عَلَى الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: كَمَا قِيلَ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ، فَإِذَا أَمْكَنَ أَنْ يَتَحَمَّلَهَا الْإِخْوَةُ، لِأَنَّ الْعَقْلَ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ وَالْإِخْوَةَ عَشَرَةٌ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُعْدَلْ إِلَى غَيْرِهِمْ وَإِنْ قَصَّرُوا عَنْهَا، لِأَنَّ الْعَقْلَ خَمْسَةٌ وَالْإِخْوَةَ خَمْسَةٌ ضُمَّ إِلَيْهِمْ بَنُو الْإِخْوَةِ، فَإِنْ كَانُوا خَمْسَةً صَارُوا مَعَ الْإِخْوَةِ عَشَرَةً يَتَحَمَّلُونَ الْعَقْلَ الَّذِي هُوَ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ فَلَا يُضَمُّ إِلَيْهِمْ غَيْرُهُمْ، وَإِنْ كَانَ بَنُو الْإِخْوَةِ أقل من خمسة ضممنا إليه بَنِيهِمْ حَتَّى يَسْتَكْمِلُوا عَشَرَةً فَيَتَحَمَّلُونَ عَقْلَ الْخَمْسَةِ، وَلَا تَتَعَدَّاهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ، فَإِنْ زَادَ الْعَقْلُ عَلَى الْخَمْسَةِ ضَمَمْنَا إِلَى الْإِخْوَةِ وَبَنِيهِمِ الْأَعْمَامَ، فَإِنْ تَحَمَّلُوهُ لَمْ يُعْدَلْ إِلَى غَيْرِهِمْ، وَإِنْ عَجَزُوا عَنْهُ ضَمَمْنَا إِلَيْهِمْ بَنِيهِمْ، ثُمَّ كَذَلِكَ أَعْمَامُ الْأَبِ وَبَنُوهُمْ وَأَعْمَامُ الْجَدِّ وَبَنُوهُمْ حَتَّى يَسْتَوْعِبُوا جَمِيعَ الْقَبِيلَةِ الَّتِي هُوَ إِلَيْهَا مَنْسُوبٌ وَبِهَا مَشْهُورٌ، وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى النَّسَبِ الْأَدْنَى دُونَ الْأَبْعَدِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جَعَلَ مَعَاقِلَ قُرَيْشٍ مِنْهُمْ، فَإِذَا كَانَ الْقَاتِلُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ جَعَلْنَا الدِّيَةَ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ عَجَزُوا عَنْهَا دَخَلَ فِيهَا بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ، فَإِنْ عَجَزُوا عَنْهَا دَخَلَ فِيهَا بَنُو قُصَيٍّ، فَإِنْ عَجَزُوا عَنْهَا دَخَلَ فِيهَا بَنُو كِلَابٍ، ثم كذلك بنوأب بَعْدَ أَبٍ حَتَّى تَسْتَوْعِبَ جَمِيعَ قُرَيْشٍ، وَلَا يَعْدِلُ بَعْدَ قُرَيْشٍ إِلَى غَيْرِهِمْ مِنَ الْعَرَبِ لتميزهم بأنسابهم، فإن قصروا عنهما عَدَلْنَا إِلَى الْمَوَالِي الْمُعْتَقِينَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " مَوَالِي الْقَوْمِ مِنْهُمْ " فَإِنْ عَجَزُوا عَنْهَا كَانَ مَا عَجَزُوا عَنْهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، لِأَنَّ جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ عَاقِلَةٌ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سواهم ".
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَمَنْ فِي الدِّيوَانِ وَمَنْ لَيْسَ فِيهِ مِنْهُمْ سَوَاءٌ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَلَى الْعَاقِلَةِ وَلَا دِيوَانَ فِي حَيَاتِهِ وَلَا فِي حَيَاةِ أَبِي بَكْرٍ وَلَا صَدْرٍ مِنْ ولاية عمر رضي الله عنه ".
قال المارودي: وَهَذَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رَدًّا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ، لِأَنَّهُ أَوْجَبَهَا عَلَى مَنْ شَارَكَهُ فِي دِيوَانِهِ تُدْفَعُ مِنْ أُعْطِيَاتِهِمْ، سَوَاءٌ كَانُوا عَصَبَةً أَوْ لَمْ يَكُونُوا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ دِيوَانٌ قُسِّمَتْ حِينَئِذٍ عَلَى عَصَبَتِهِ احْتِجَاجًا بِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ دَوَّنَ الدَّوَاوِينَ وَجَعَلَ الْعَقْلَ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ مِنْ أُعْطِيَاتِهِمْ، وَلِأَنَّ أَهْلَ الدِّيوَانِ بِالنُّصْرَةِ أَحَقُّ فَكَانُوا بِتَحَمُّلِ الْعَقْلِ أَحَقَّ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّهَا عَلَى الْعَصَبَةِ، سَوَاءٌ كَانَ فِي الدِّيوَانِ أَوْ لَمْ يَكُنْ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute