للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِي: إِسْكَارُهَا مَعَ بَقَاءِ حَلَاوَتِهَا، وَإِسْكَارُ غَيْرِهَا مَعَ حُدُوثِ مَرَارَتِهَا. وَلَا تُرَدُّ شَهَادَةُ شَارِبِهَا كرهت أم لم تكره.

[(مسألة)]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَأَكْرَهُ اللَّعِبَ بِالنَّرْدِ لِلْخَبَرِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي النَّرْدِ فَحَرَّمَهَا مَالِكٌ وَفَسَّقَ اللَّاعِبَ بِهَا وَأَحَلَّهَا الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَلَمْ يُفَسِّقِ اللَّاعِبَ بِهَا إِذَا حَافَظَ عَلَى عِبَادَتِهِ وَمُرُوءَتِهِ.

وَلَا يَخْتَلِفُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ النَّرْدَ أَغْلَظُ فِي الْمَنْعِ مِنَ الشِّطْرَنْجِ وَصَرَّحَ فِيهَا بِالْكَرَاهَةِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ هَلْ هِيَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ أَمْ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ؟

فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَتَغْلِيظٍ، تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ وَإِنْ لَمْ تُحَرَّمْ.

وَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ، وَهُوَ الصَّحِيحُ إِلَى أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ تُوجِبُ فِسْقَ اللَّاعِبِ بِهَا وَرَدَّ شَهَادَتِهِ.

وَرَوَى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ مُوسَى بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ ".

وَرُوِيَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: " من لعب بالنرد شير فَكَأَنَّمَا يَغْمِسُ يَدَهُ فِي لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَدَمِهِ ".

وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " لَا يَقْلِبُ كِعَابَهَا أَحَدٌ يَنْتَظِرُ مَا يَأْتِي بِهِ إِلَّا عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ ".

فَصَارَ فَرْقُ مَا بَيْنَ النَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ فِي الْحُكْمِ، أَنَّ الشَّطْرَنْجَ لَا يُحَرَّمُ، وَفِي كَرَاهَتِهِ وَجْهَانِ وَالنَّرْدُ مَكْرُوهَةٌ وَفِي تَحْرِيمِهَا وَجْهَانِ، وَالشَّطْرَنْجُ لَا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ إِذَا خَلَصَتْ وَتُرَدُّ بِالنَّرْدِ وَإِنْ خَلَصَ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى: أَنَّ الشَّطْرَنْجَ مَوْضُوعَةٌ لِصِحَّةِ الْفِكْرِ وَصَوَابِ التَّدْبِيرِ وَنِظَامِ السِّيَاسَةِ، فَهِيَ صَادِرَةٌ إِنْ ظَهَرَ فِيهَا عَنْ حَذْقَةٍ.

وَالنَّرْدُ مَوْضُوعَةٌ إِلَى مَا يَأْتِي بِهِ مِنْ كَعَابِهَا وَفُصُوصِهَا، فَهُوَ كَالْأَزْلَامِ.

وَقِيلَ: إِنَّهَا مَوْضُوعَةٌ عَلَى الْبُرُوجِ الِاثْنَيْ عَشَرَ. وَالْكَوَاكِبِ السَّبْعَةِ، لِأَنَّ بُيُوتَهَا اثْنَا عَشَرَ كَالْبُرُوجِ وَيَقْطَعُهَا مِنْ جَانِبَيِ الْفَصِّ سَبْعَةٌ، كَالْكَوَاكِبِ السَّبْعَةِ. فَعَدَلَ بِهَا عَنْ حُكْمِ الشَّرْعِ إِلَى تَدْبِيرِ الْكَوَاكِبِ والبروج.

<<  <  ج: ص:  >  >>