للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْقِيَاسِ فِي الشَّرْعِ هُوَ الْأَحْكَامُ الْمُسْتَنْبَطَةُ مِنَ النُّصُوصِ.

فَأَمَّا الْأَسْمَاءُ وَالْحُدُودُ وَالْمَقَادِيرُ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي جَوَازِ اسْتِخْرَاجِهَا بِالْقِيَاسِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ أَنْ تَثْبُتَ الْأَسْمَاءُ بِالْقِيَاسِ إِذَا تَعَلَّقَ بِهَا أَحْكَامٌ كَتَسْمِيَةِ النَّبِيذِ خَمْرًا لِوُجُودِ مَعْنَى الْخَمْرِ فِيهِ وَيَجُوزُ أَنْ تَثْبُتَ الْحُدُودُ قِيَاسًا فَيَثْبُتَ حَدُّ الْخَمْرِ ثَمَانِينَ، قِيَاسًا عَلَى الْقَذْفِ كَمَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لِأَنَّهُ إِذَا شَرِبَ سَكِرَ وَإِذَا سَكِرَ هَذَى وَإِذَا هَذِيَ افْتَرَى وَحَدُّ الْمُفْتَرِي ثَمَانُونَ.

وَيَجُوزُ أَنْ تَثْبُتَ الْمَقَادِيرُ قِيَاسًا: كَمَا قَدَّرْنَا أَقَلَّ الْحَيْضِ وَأَكْثَرَهُ وَأَقَلَّ الطُّهْرِ وَأَكْثَرَهُ وَأَقَلَّ السَّفَرِ وَأَكْثَرَهُ.

وَقَدْ أَشَارَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَى اخْتِيَارِ هَذَا الْوَجْهِ لِأَنَّ جَمِيعَهَا أَحْكَامٌ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ إِثْبَاتُ الْأَسْمَاءِ وَلَا إِثْبَاتُ الْحُدُودِ وَلَا إِثْبَاتُ الْمَقَادِيرِ بِالْقِيَاسِ.

أَمَّا الْأَسْمَاءُ فَلِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنَ اللُّغَةِ دُونَ الشَّرْعِ.

وَأَمَّا الْحُدُودُ فَلِأَنَّ مَعَانِيَهَا غَيْرُ مَعْقُولَةٍ.

وَأَمَّا الْمَقَادِيرُ فَلِأَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ وَإِنَّمَا صِيرَ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ الْمُقَدَّرَةِ إلى عرف أو وجود.

والله أعلم بصواب ما استأثر بعلمه فهذا شرح ما قدمناه من أصول الشرع الأربعة وبالله التوفيق.

[(مسألة)]

: قال الشافعي: " وَيَجْمَعُ الْمُخْتَلِفِينَ لِأَنَّهُ أَشَدُّ لِتَقَصِّيهِ وَلِيَكْشِفَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا إِنَّمَا يَخْتَصُّ بِالْحَوَادِثِ الْمُشْكِلَةِ وَالنَّوَازِلِ الْمُلْتَبِسَةِ دُونَ مَا اسْتَقَرَّتْ أَحْكَامُهُ بِالنُّصُوصِ أَوْ بِالْإِجْمَاعِ أَوْ بِالْقِيَاسِ الَّذِي لَا يُحْتَمَلُ غَيْرُهُ، فَيَجْمَعُ لَهُ الْمُخْتَلِفِينَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ لِيَسْأَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَنْ حُكْمِ الْحَادِثَةِ وَدَلِيلِهَا وَيُعَارِضَ الْأَدِلَّةَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ وَيَكْشِفَ عَنْ عِلَلِهَا وَأُصُولِهَا.

وَلَا يُفَوِّضُ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ، حَتَّى يَجْتَهِدَ فِيهَا كَاجْتِهَادِهِمْ، ثُمَّ يَجْتَهِدُ فِي قَوْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَيَنْظُرُ فِيمَا اسْتَدَلَّ بِهِ وَيُنَاظِرُهُمْ وَيُنَاظِرُونَهُ طَلَبًا لِلصَّوَابِ لَا نُصْرَةً لِقَوْلِهِ.

فَإِذَا وَضُحَ لَهُ الصَّوَابُ بَعْدَ الْكَشْفِ وَالنَّظَرِ عَمِلَ عَلَيْهِ وَحَكَمَ بِهِ.

وَإِنَّمَا لَزِمَهُ أَنْ يَفْعَلَ هَذَا لِثَلَاثَةِ أُمُورٍ:

<<  <  ج: ص:  >  >>