(فَصْلٌ)
فَلَوْ مَاتَ الْمَكْفُولُ بِهِ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وأبي حنيفة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْكَفِيلِ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو الْعَبَّاسِ قَدْ وَجَبَ عَلَى الْكَفِيلِ مَا عَلَى الْمَكْفُولِ بِهِ مِنَ الْحَقِّ وَهَكَذَا يَقُولَانِ إِذَا تَطَاوَلَتْ غَيْبَتُهُ وَلَمْ يَعْرِفْ مَوْضِعَهُ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْكَفَالَةِ التَّوْثِيقُ فِي الدَّيْنِ الْمُسْتَحَقِّ فَلَوْ كَانَ مَوْتُ الْمَكْفُولِ بِهِ لَا يُوجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ غُرْمًا لَبَطَلَتْ فَائِدَةُ الْكَفَالَةِ.
وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّ الْحَقَّ لَمْ يَضْمَنْهُ وَالْمَكْفُولُ بِهِ قَدْ مَاتَ فَلَيْسَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَلَوْ جَازَ إِذَا كَفَلَ بِالنَّفْسِ أَنْ يَضْمَنَ الْمَالَ لَجَازَ إِذَا ضَمِنَ الْمَالَ أَنْ يَصِيرَ كَفِيلًا وَلَكِنْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يختص بحكمه فلماذا ثَبَتَ أَنْ لَا شَيْءَ عَلَى الْكَفِيلِ نَظَرْنَا فَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ إِحْضَارُ الْمَيِّتِ إِلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ فَقَدْ بَطَلَتِ الْكَفَالَةُ بِمَوْتِهِ وَإِنْ لَزِمَ إِحْضَارُهُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ لِأَنَّ عَلَيْهِ بَيِّنَةً تَشْهَدُ على عينه ولا تعرف وَلَا تُعْرَفُ اسْمُهُ وَلَا نَسَبُهُ فَلَا بَأْسَ بِإِحْضَارِ الْمَيِّتِ مَجْلِسَ الْحُكْمِ أَوْ يَحْضُرُ الْحَاكِمُ إِلَى مَوْضِعِ الْمَيِّتِ يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ عَلَى عَيْنِهِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِي الْكَفَالَةِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: بَاقِيَةٌ لَا تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَيُؤْخَذُ الْكَفِيلُ بِإِحْضَارِ الْمَيِّتِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: قَدْ بَطَلَتِ الْكَفَالَةُ بِالْمَوْتِ لِأَنَّ الْمَيِّتَ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ لِإِقَامَةِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ فلم يحتج إلى الكفل.
فَلَوْ مَاتَ الْكَفِيلُ فَعَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْكَفَالَةَ قَدْ بَطَلَتْ وَلَا يَسْتَحِقُّ مُطَالَبَةَ الْوَارِثِ بِشَيْءٍ وَيَجِيءُ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنْ لَا تَبْطُلَ الْكَفَالَةُ لِأَنَّهَا عَلَى مَذْهَبِهِ قَدْ تُفْضِي إِلَى مَالٍ يَتَعَلَّقُ بِالتَّرِكَةِ لَكِنْ لَمْ أَجِدْ نَصًّا فِيهِ، وَلَكِنْ لَوْ مَاتَ الْمَكْفُولُ لَهُ كَانَتِ الْكَفَالَةُ عَلَى حَالِهَا لَا تَبْطُلُ عَلَى قَوْلِ الْجَمَاعَةِ وَيَقُومُ وَارِثُهُ مَقَامَهُ فِي الْمُطَالَبَةِ بِالْمَكْفُولِ بِهِ.
فَلَوْ كَانَ الْمَكْفُولُ لَهُ حِينَ مَاتَ خَلَّفَ وَرَثَةً وَغُرَمَاءَ فَوَصَّى بِإِخْرَاجِ ثُلُثِهِ إِلَى وَصِيٍّ فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَى الْمَكْفُولِ بِهِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْمَالِ كَانَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْكَفَالَةِ الْوَارِثَ وَحْدَهُ دُونَ الْغُرَمَاءِ وَأَهْلِ الْوَصَايَا وَإِنْ كَانَ مَالًا لَمْ يَبْرَأِ الْكَفِيلُ إِلَّا بِتَسْلِيمِ الْمَكْفُولِ بِهِ إِلَى الْوَرَثَةِ وَالْغُرَمَاءِ وَالْوَصِيِّ وَكَذَا الْمَالُ الْمَضْمُونُ فَإِنْ سَلَّمَهُ إِلَى الْوَرَثَةِ دُونَ الْغُرَمَاءِ وَالْوَصِيِّ أَوْ إِلَى الْغُرَمَاءِ دُونَ الْوَرَثَةِ وَالْوَصِيِّ أَوْ إِلَى الْوَصِيِّ دُونَ الْوَرَثَةِ لَمْ يَبْرَأْ مِنَ الْكَفَالَةِ وَلَكِنْ لَوْ سَلَّمَهُ إِلَى الْوَرَثَةِ وَالْغُرَمَاءِ وَأَهْلِ الْوَصَايَا دُونَ الْوَصِيِّ فَفِي بَرَاءَتِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ سُرَيْجٍ، أَحَدُهُمَا يَبْرَأُ لِأَنَّهُ سَلَّمَهُ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ وَإِنَّمَا الْوَصِيُّ نَائِبٌ وَوَسِيطٌ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَبْرَأُ حَتَّى يَكُونَ الْوَصِيُّ فِي جُمْلَةِ مَنْ تَسَلَّمَهُ لِأَنَّ لِلْوَصِيِّ وِلَايَةً عَلَى أَهْلِ الْوَصَايَا فَصَارَ كَوَلِيِّ الطِّفْلِ وَالْمَجْنُونِ.
وَلَوْ قَالَ كَفَلْتُ لَكَ بِنَفْسِ فُلَانٍ فَإِنْ مَاتَ فَأَنَا ضَامِنٌ لِمَا عَلَيْهِ صَحَّتِ الْكَفَالَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute