وَدَلِيلُنَا هُوَ أَنَّ طَوَافَ الْحَامِلِ وَالْمَحْمُولِ فِعْلٌ وَاحِدٌ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُؤَدَّى بِالْفِعْلِ الْوَاحِدِ فَرْضُ طَوَافَيْنِ فَوَجَبَ اسْتِحْقَاقُ فِعْلَيْنِ وَخَالَفَ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ؛ لِأَنَّ الْوُقُوفَ لُبْثٌ لَا يَتَضَمَّنُ فِعْلًا وَكَذَلِكَ لَوْ وَقَفَ نَائِمًا أَجْزَأَهُ، وَالطَّوَافُ فِعْلٌ مُسْتَحَقٌّ وَهُوَ مِنْ أَحَدِهِمَا فَلَمْ يُجْزِ عَنْهُمَا، ثُمَّ إِذَا طَافَ رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا فَإِنَّهُ يَضْطَبِعُ، فَأَمَّا الرَّمَلُ فَعَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ لَا رَمَلَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَسْنُونٌ فِي الْمَاشِي لِيُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى نَشَاطِهِ وَصِحَّتِهِ وَهَذَا مَعْدُومٌ فِي الْمَحْمُولِ وَالرَّاكِبِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ يَرْمُلُ بِهِ إِنْ كَانَ مَحْمُولًا وَيُخَبِّبُ بِيَدَيْهِ إِنْ كَانَ رَاكِبًا؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ مَسْنُونًا فِي طَوَافِ الْمَاشِي كَانَ مَسْنُونًا فِي طَوَافِ الْمَحْمُولِ وَالرَّاكِبِ كَالِاضْطِبَاعِ.
فَصْلٌ
: رَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَقُولَ شَوْطٌ وَدَوْرٌ لِلطَّوَافِ وَلَكِنْ يَقُولُ طَوْفٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَكْرَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا كَرِهَ مُجَاهِدٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَلْيَطَوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) {الحج: ٢٩) وَحَكَى الشَّافِعِيُّ عَنْ قَوْمٍ أَنَّهُمْ كَرِهُوا أَنْ يُعَدَّ فِي الطَّوَافِ وَهُوَ عِنْدَهُ غَيْرُ مَكْرُوهٍ، وَقَدْ رَوَى الْأَوْزَاعِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ مَعَهُ فِي الطَّوَافِ، كَمْ تَعُدُّ: ثُمَّ قَالَ تَدْرِي لِمَ سَأَلْتُكَ لتحفظه.
[مسألة]
: قال الشافعي رضي الله عنه: " فَإِذَا فَرَغَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَلْفَ الْمَقَامِ فَيَقْرَأُ فِي الْأُولَى بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَفِي الثَّانِيَةِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أحدٌ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ، إِذَا أَكْمَلَ الطَّائِفُ طَوَافَهُ سَبْعًا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَلْفَ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ، يَقُولُ فِيهِمَا بِمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ؛ لِرِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - طَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، وَصَلَّى عِنْدَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ وَقَرَأَ: {وَاتَّخذُوا مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلَّى} (البقرة: ١٢٥) وَقَدْ عَلَّقَ الشَّافِعِيُّ الْقَوْلَ فِي هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ فَخَرَّجَهُمَا أَصْحَابُنَا عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّهُمَا وَاجِبَتَانِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاتَّخذُوا مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلَّى} (البقرة: ١٢٥) يَعْنِي صَلَاةً، وَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَعَلَهُمَا، وَفِعْلُهُ إِمَّا أَنْ يَكُوْنَ بَيَانًا أَوِ ابْتِدَاءَ شَرْعٍ، وَأَيُّهُمَا كَانَ دَلَّ عَلَى الْوُجُوبِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّهُمَا مُسْتَحَبَّانِ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِلْأَعْرَابِيِّ حِينَ قَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا قَالَ: لَا. إِلَّا أَنْ تَتَطَوَّعَ فَجَعَلَ مَا سِوَى الْخَمْسِ تَطَوُّعًا.
وَرَوَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُولُ: " مَنْ طَافَ أُسْبُوعًا وَصَلَى رَكْعَتَيْنِ كَانَ لَهُ كَعِدْلِ رقبةٍ " وَأَخْرَجَهُ مُخْرَجَ الْفَضْلِ وَجَعَلَ لَهُ ثَوَابَهُ مَحْدُودًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ تَطَوُّعٌ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ غَيْرُ مَحْدُودِ الثَّوَابِ.