للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استحدثها في كبيره قَدَحَتْ فِي عَدَالَتِهِ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِالْمَنْشَأِ مَطْبُوعًا بِهَا وَبَالِاسْتِحْدَاثِ مُخْتَارًا لَهَا.

وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ: إِنِ اخْتَصَّتْ بِالدِّينِ قَدَحَتْ فِي عَدَالَتِهِ كَالْبَوْلِ قَائِمًا وَفِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ، وَكَشْفِ الْعَوْرَةِ إِذَا خَلَا، وإن يتحدث بمساوىء النَّاسِ، وَإِنِ اخْتَصَّتْ بِالدُّنْيَا لَمْ تَقْدَحْ فِي عَدَالَتِهِ. كَالْأَكْلِ فِي الطَّرِيقِ وَكَشْفِ الرَّأْسِ " بَيْنَ النَّاسِ " وَالْمَشْيِ حَافِيًا، لِأَنَّ مُرُوءَةَ الدِّينِ مَشْرُوعَةٌ وَمُرُوءَةَ الدُّنْيَا مُسْتَحْسَنَةٌ.

(فَصْلٌ)

: وَأَمَّا الصَّنَائِعُ فَضَرْبَانِ: مُسْتَرْذَلٌ وَغَيْرُ مُسْتَرْذَلٍ.

فَأَمَّا غَيْرُ الْمُسْتَرْذَلِ كَالزِّرَاعَةِ وَالصِّنَاعَةِ، فَغَيْرُ قَادِحٍ فِي الْعَدَالَةِ، لِأَنَّهُ (مِمَّا) لَا يَسْتَغْنِي النَّاسُ عَنِ الِاكْتِسَابِ بِصَنَائِعِهِمْ وَمَتَاجِرِهِمْ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّ مِنَ الذُّنُوبِ مَا لَا يُكَفِّرُهُ صَوْمٌ وَلَا صَلَاةٌ وَيُكَفِّرُهُ عَرَقُ الْجَبِينِ فِي طَلَبِ الْحِرْفَةِ ".

وَرُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " الْكَادُّ عَلَى عِيَالِهِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ".

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " أَكْذَبُ النَّاسِ الصَّبَّاغُونَ وَالصَّوَّاغُونَ ".

(قِيلَ) هَذَا مَوْقُوفٌ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَيْسَ بِمُسْنَدٍ، لِأَنَّهُ سَمِعَ قَوْمًا يَرْجُفُونَ بِشَيْءٍ فَقَالَ: كِذْبَةٌ قَالَهَا الصَّبَّاغُونَ وَالصَّوَّاغُونَ.

وَإِنْ ثَبَتَ مُسْنَدًا فَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي تَأْوِيلِهِ.

فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لِأَنَّهُمْ يَعِدُونَ وَيَخْلُفُونَ. وَإِخْلَافُ الْوَعْدِ كَذِبٌ.

وَقَالَ آخَرُونَ لِأَنَّ الصَّبَّاغِينَ يُسَمُّونَ الْأَلْوَانَ بِمَا أَشْبَهَهَا فَيَقُولُونَ: هَذَا لَوْنُ الشَّقَائِقِ وَلَوْنُ الشَّفَقِ وَلَوْنُ النَّارِنْجِ.

وَالصَّوَّاغُونَ يُسَمُّونَ الْأَشْكَالَ بِمَا يُمَاثِلُهَا، فَيَقُولُونَ: هَذَا زَرْعٌ وَهَذَا شَجَرٌ، وَتَسْمِيَةُ الشَّيْءِ بِغَيْرِ اسْمِهِ كَذِبٌ.

وَقَالَ آخَرُونَ: يُرِيدُونَ بِالصَّبَّاغِينَ الَّذِينَ يَصْبُغُونَ الْكَلَامَ فَيُغَيِّرُونَ الصِّدْقَ

<<  <  ج: ص:  >  >>