للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ إِذَا اجْتَمَعَ الْخَوَارِجُ فِي مَوْضِعٍ تَمَيَّزُوا بِهِ عَنْ أَهْلِ الْعَدْلِ، وَلَمْ يَخْرُجُوا عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ، وَقَصَدُوا بِالِاعْتِزَالِ أَنْ يَنْفَرِدُوا عَنْ مُخَالِفِهِمْ وَيَتَسَاعَدُوا عَلَى مُعْتَقَدِهِمْ، كَانَتْ دَارُهُمْ مِنْ جُمْلَةِ دَارِ أَهْلِ الْعَدْلِ تُقَامُ عَلَيْهِمُ الْحُدُودُ وَتُسْتَوْفَى مِنْهُمُ الْحُقُوقُ ولا يبدأوا بحرب ولا قتال ما لم يبدأوا بِالْمُنَابَذَةِ وَالْقِتَالِ.

فَإِنْ قَتَلُوا عَامِلَهُمُ الْوَالِيَ عَلَيْهِمْ مِنْ قِبَلِ الْإِمَامِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَعْوَانِ الْإِمَامِ، ثُمَّ أَظْهَرُوا خَلْعَ الْإِمَامِ وَنَابَذُوهُ أَجْرَى الْإِمَامُ عَلَيْهِمُ الْقِصَاصُ وَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُمْ بِمَا أَظْهَرُوا بَعْدَ الْقَتْلِ مِنَ الْخَلْعِ وَالْمُنَابَذَةِ، وَكَذَلِكَ مَا اسْتَهْلَكُوهُ مِنَ الْأَمْوَالِ كَانُوا مَأْخُوذِينِ بِضَمَانِهِ.

فقد ولى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى النَّهْرَوَانِ عَامِلَهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ وَقَدِ اعْتَزَلُوهُ فَكَانَ نَاظِرًا فِيهِمْ كَنَظَرِهِ فِي أَهْلِ الْعَدْلِ، إِلَى أَنْ وَثَبُوا عَلَيْهِ وَقَالُوا: مَا تَقَوُلُ فِي الشَّيْخَيْنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ؟

فَقَالَ: مَا أَقُولُ فِي خَلِيفَتَيْ رَسُولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَإِمَامَيِ الْمُسْلِمِينَ.

قَالُوا: مَا تَقُولُ فِي عُثْمَانَ؟

فَقَالَ: فِي السِّتِّ الْأَوَائِلِ خَيْرًا. وَأَمْسَكَ عَنِ السِّتِّ الْأَوَاخِرِ.

فَقَالُوا: مَا تَقُولُ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ.

فَقَالَ: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَسَيِّدُ الْمُتَّقِينَ.

فَعَمَدُوا إِلَيْهِ فَذَبَحُوهُ، فَرَاسَلَهُمْ عَلِيٌّ أَنْ سَلِّمُوا إِلَيَّ قَاتِلَهُ أَحْكُمْ فِيهِ بِحُكْمِ اللَّهِ. قَالُوا: كُلُّنَا قَتَلَهُ.

قَالَ: فَاسْتَسْلِمُوا لِحُكْمِ اللَّهِ، وَسَارَ إِلَيْهِمْ، فَقَتَلَ أَكْثَرَهُمْ فَدَلَّ هَذَا مِنْ فِعْلِهِ عَلَى أَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: جَوَازُ إِقْرَارِهِمْ وَإِنِ اعْتَزَلُوا مَا كَانُوا مُتَظَاهِرِينَ بِالطَّاعَةِ.

وَالثَّانِي: وُجُوبُ الْقِصَاصِ عَلَيْهِمْ، وَأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُمْ بِخَلْعِ الطَّاعَةِ.

فَأَمَّا مَنْ قَتَلُوهُ بَعْدَ خَلْعِ الطَّاعَةِ وَإِظْهَارِ الْمُنَابَذَةِ فَفِي ضَمَانِهِ عَلَيْهِمْ قَوْلَانِ كَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ الْقِصَاصِ عَلَيْهِمْ، اخْتُصَّ بِالْقَاتِلِ مِنْهُمْ، فَإِنْ سَلَّمُوهُ لَمْ يُقْتَلْ غَيْرُهُ مِنْ مُعِينٍ وَلَا مُشِيرٍ، وَفِي انْحِتَامِ الْقِصَاصِ وَجْهَانِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>