كَالْمُحَرَّمَةِ، وَهَذَا خَطَأٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تمكسوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: ١٠] . وَفِي الرَّجْعَةِ تَمَسُّكًا بِرَجْعَتِهَا بِعِصْمَتِهَا، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الرِّدَّةُ مَانِعَةً مِنْهَا.
وَلِأَنَّ الرَّجْعَةَ عَقْدٌ يُسْتَبَاحُ بِهِ بُضْعُ الْحُرَّةِ فَلَمْ يَصِحَّ فِي الرِّدَّةِ، وَلَا أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا فِيهَا كَالنِّكَاحِ، وَلِأَنَّ الرِّدَّةَ مُنَافِيَةٌ لِلرَّجْعَةِ، لِأَنَّ الرِّدَّةَ تَقْتَضِي الْبَيْنُونَةَ، وَالرَّجْعَةَ رَافِعَةٌ لِلْبَيْنُونَةِ وَإِذَا تَنَافَيَا لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَجْتَمِعَا، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ اجْتِمَاعُهُمَا لِتَنَافِيهِمَا، وَقَدْ ثَبَتَتِ الرِّدَّةُ فَبَطَلَتِ الرَّجْعَةُ.
وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَهُوَ غَيْرُ مُنَافٍ لِلرِّدَّةِ، لِأَنَّهُمَا مَعًا يَقْتَضِيَانِ الْفُرْقَةَ وَعَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا عَلَى شَرْطٍ لَا يَصِحُّ إِيقَافُ الرَّجْعَةِ وَلَا تَعْلِيقُهَا بِشَرْطٍ فَافْتَرَقَ حُكْمُهُمَا فِي الرِّدَّةِ.
وَأَمَّا النِّكَاحُ فَفَسْخُهُ مَوْقُوفٌ وَعَقْدُهُ غَيْرُ مَوْقُوفٍ، وَالرَّجْعَةُ مُلْحَقَةٌ بِالْعَقْدِ دُونَ الْفَسْخِ.
وَأَمَّا الرَّجْعَةُ فِي الْإِحْرَامِ فَمُفَارِقَةٌ لِلرَّجْعَةِ فِي الرِّدَّةِ، لِأَنَّ الْمُزَنِيَّ يَقِفُ الرَّجْعَةَ في الردة، ولا يقفها في الإحرام فهذا الْفَرْقُ جَوَّزْنَا الرَّجْعَةَ فِي الْإِحْرَامِ وَأَبْطَلْنَاهَا فِي الرِّدَّةِ.
(فَصْلٌ:)
وَإِذَا زُوِّجَتِ الْمُطَلَّقَةُ فِي عِدَّتِهَا، وَقَبْلَ مُرَاجَعَةِ الزَّوْجِ لَهَا، وَدَخَلَ بِهَا الثَّانِي فَرَاجَعَهَا الْأَوَّلُ بَعْدَ دُخُولِ الثَّانِي، وَقَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ صَحَّتِ الرَّجْعَةُ، وَكَانَتْ مُحَرَّمَةً عَلَى الْأَوَّلِ بعد رجعته حتى تقتضي عِدَّتَهَا مِنْ إِصَابَةِ الثَّانِي، لِأَنَّ نِكَاحَ الثَّانِي بَاطِلٌ فَلَمْ يَكُنْ عِدَّتُهَا مِنْ إِصَابَتِهِ مَانِعَةً مِنْ صِحَّةِ رَجْعَتِهِ، لِأَنَّ الرَّجْعَةَ تُوجِبُ اسْتِبْقَاءَ النِّكَاحِ، وَوُجُوبَ الْعِدَّةِ لَا يَمْنَعُ مِنَ اسْتِبْقَاءِ النِّكَاحِ كَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ.
وَإِذَا رَاجَعَهَا الزَّوْجُ وَهُوَ مَجْنُونٌ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ بَطَلَتْ رَجْعَتُهُ لِبُطْلَانِ عُقُودِهِ، فَإِنْ كَانَ يُجَنُّ فِي زَمَانٍ وَيُفِيقُ فِي زَمَانٍ صَحَّتْ رَجْعَتُهُ فِي إِفَاقَتِهِ، وَبَطَلَتْ فِي جُنُونِهِ فَلَوِ اخْتَلَفَا فَقَالَ: رَاجَعْتُكِ فِي حَالِ الْإِفَاقَةِ، وَقَالَتْ رَاجَعْتَنِي فِي حَالِ الْجُنُونِ فَفِيهِ قَوْلَانِ كَالطَّلَاقِ إِذَا اخْتَلَفَا فِي وُقُوعِهِ فِي الْجُنُونِ وَالصِّحَّةِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ وَتَصِحُّ رَجْعَتُهُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا وَرَجْعَةُ الزَّوْجِ بَاطِلَةٌ وَلَوْ رَاجَعَهَا وَهُوَ سَكْرَانُ صَحَّتْ رَجْعَتُهُ إِذَا قِيلَ بِوُقُوعِ طَلَاقِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ وَلَمْ تَصِحَّ رَجْعَتُهُ إِذَا قِيلَ بِتَخْرِيجِ الْمُزَنِيِّ أَنَّ طَلَاقَهُ لَا يَقَعُ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لَا تَصِحُّ رَجْعَتُهُ، وَإِنْ وَقَعَ طَلَاقُهُ، لِأَنَّ وُقُوعَ طَلَاقِهِ تَغْلِيظٌ وَرَجْعَتَهُ تَخْفِيفٌ، وَالسَّكْرَانُ يُغَلَّظُ عَلَيْهِ، وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُ، وَهَذَا فَاسِدٌ، لِأَنَّنَا نُجْرِي عَلَى سُكْرِهِ حُكْمَ الصِّحَّةِ فَلَمْ يَقَعِ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute