[(مسألة)]
: قال الشافعي: " فإذا غاب الشفق الأحمر فهو أول وقت العشاء الْآخِرَةِ وَالْأَذَانِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: يُكْرَهُ أَنَّ تُصَلَّى هَذِهِ الصَّلَاةُ بِاسْمِ الْعَتَمَةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تُسَمَّى عِشَاءَ الْآخِرَةِ لِرِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي لَبِيدٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا يَغْلِبَنَّكُمُ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ هِيَ الْعِشَاءُ إِلَّا أَنَّهُمْ يُعْتِمُونَ بِالْإِبِلِ ".
وَالْعُتْمُ: الْإِبْطَاءُ وَالتَّأْخِيرُ وَإِعْتَامُ الْإِبِلِ هُوَ تَأْخِيرُ عَلْفِهَا وَحَلْبِهَا قَالَ الشَّاعِرُ:
(فَلَمَّا رَأَيْنَا أَنَّهُ عَاتِمُ الْقِرَى ... بَخِيلٌ ذَكَرْنَا لَيْلَةَ الْهَضْبِ كَرْدَمَا)
وَلَا يَأْثَمُ مُسَمِّيهَا بِالْعَتَمَةِ وَلَا يَسْتَحِقُّ وَعِيدًا بِهِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَمْ يَنْهَ عَنْهُ نَهْيَ تَحْرِيمٍ، وَإِنَّمَا قَالَ: " لَا يَغْلِبَنَّكُمُ الْأَعْرَابُ عَلَيْهَا " وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَأَوَّلُ وَقْتِ عِشَاءِ الْآخِرَةِ إِذَا غَابَ الشَّفَقُ إِجْمَاعًا إِلَّا أَنَّهُمَا شَفَقَانِ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْحُمْرَةُ، وَالثَّانِي وَهُوَ الْبَيَاضُ، وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَدْخُلُ وَقْتُهَا بِغَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ أَوْ بِغَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ الْأَبْيَضِ؟ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّ وَقْتَهَا يَدْخُلُ إِذَا غَابَ الشَّفَقُ الْأَحْمَرُ وَهُوَ فِي الصَّحَابَةِ قَوْلُ عُمَرَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَمِنَ التَّابِعِينَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَمَكْحُولٍ وَمِنَ الْفُقَهَاءِ قَوْلُ مَالِكٍ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَالثَّوْرِيِّ، وأبي يوسف، ومحمد، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَذَهَبَ أبو حنيفة إِلَى أَنَّ دُخُولَ وَقْتِهَا يَكُونُ بِغَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ الْأَبْيَضِ، وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَالْمُزَنِيُّ، اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [الإسراء: ٧٨] يَعْنِي: إِظْلَامَهُ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِغَيْبُوبَةِ الْبَيَاضِ وَلِمَا رَوَى بَشِيرُ بْنُ أَبِي مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي عِشَاءَ الْآخِرَةِ حِينَ يَسْوَدُّ الْأَفَقُ، وَلِأَنَّ صَلَاةَ الْعِشَاءِ تَتَعَلَّقُ بِغَارِبٍ وَصَلَاةَ الصُّبْحِ بِطَالِعٍ، فَلَمَّا وَجَبَتِ الصُّبْحِ بِالطَّالِعِ الثَّانِي اقْتَضَى أَنْ تَجِبَ الْعَشَاءُ بِالْغَارِبِ الثَّانِي وَاسْتَدَلَّ الْمُزَنِيُّ: أَنَّ الصُّبْحَ أَوَّلَ صَلَاةِ النَّهَارِ وَالْعَشَاءَ آخِرَ صَلَاةِ اللَّيْلِ فَلَمَّا وَجَبَتِ الصُّبْحُ بِالْبَيَاضِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى الشَّمْسِ اقْتَضَى أَنْ تَجِبَ الْعِشَاءُ بِالْبَيَاضِ الْمُتَأَخِّرِ عَنِ الشَّمْسِ.
وَدَلِيلُنَا: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " وَصَلَّى بِي جِبْرِيلُ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ " وَحَمْلُ إِطْلَاقِهِ عَلَى الْأَحْمَرِ أَوْلَى مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْحُكْمَ إِذَا عُلِّقَ بِاسْمٍ اقْتَضَى أَنْ يَتَنَاوَلَ أَوَّلُ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ أَوَّلَ ذَلِكَ الِاسْمِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute