للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمُؤَجَّلَةِ وَفِي جَوَازِ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِهَا وَإِذَا ثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الشَّوَاهِدِ أَنَّ الْمَنَافِعَ فِي حُكْمِ الْمَقْبُوضَةِ بِالتَّمْكِينِ لَزِمَ تَسْلِيمُ مَا فِي مُقَابَلَتِهَا مِنَ الْأُجْرَةِ فَإِنْ قِيلَ فَلِمَ جَعَلْتُمُ الْمَنَافِعَ مَقْبُوضَةً حُكْمًا وَإِنْ لَمْ يكن القبض مُسْتَقِرًّا وَجَعَلْتُمُ الْأُجْرَةَ مَقْبُوضَةً قَبْضًا مُسْتَقِرًّا قِيلَ لِأَنَّهُ لَيْسَ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْأُجْرَةُ مَقْبُوضَةً حُكْمًا فَجَعَلْنَا الْقَبْضَ فِيهَا مُسْتَقِرًّا وَلَا يُمْكِنُ فِي الْمَنَافِعِ أَنْ يَكُونَ الْقَبْضُ فِيهَا مُسْتَقِرًّا فَجَعَلْنَاهُ حُكْمًا عَلَى أَنَّهُمَا سَوَاءٌ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِنَا إِنَّ الْمَنَافِعَ مَقْبُوضَةٌ حُكْمًا لِأَنَّهُ قَدْ يَتَصَرَّفُ فِي الدَّارِ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَزُولَ مِلْكُهُ عَنْ مَنَافِعِهَا بِالْهَدْمِ كَذَلِكَ الْأُجْرَةُ قَدْ يَتَصَرَّفُ فِيهَا الْمُؤَجِّرُ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَزُولَ مِلْكُهُ عَنْهَا بِالْهَدْمِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) {الطلاق: ٦) فَهُوَ أَنْ مَعْنَاهُ فَإِنْ بَذَلْنَ الرِّضَاعَ لَا أَنَّهُ أَرَادَ اسْتِكْمَالَ الرِّضَاعِ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: {حَتَّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ) {التوبة: ٢٩) أَيْ يَبْذُلُوا. أَلَا تَرَى إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَإنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى) {الطلاق: ٦) وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ إِتْمَامِ الرِّضَاعِ مَا احْتَاجَ إِلَى إِرْضَاعِ أُخْرَى فَصَارَتِ الْآيَةُ دَلِيلًا لَنَا.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَعْطُوا الْأَجِيرَ أُجْرَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ فَهُوَ أَنَّ اسْتِدْلَالَنَا مِنْهُ كَاسْتِدْلَالِهِمْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْرَقُ حِينَ يَعْمَلُ فَيَقْتَضِي أَنْ يَسْتَحِقَّ أَخْذُهَا قَبْلَ إِتْمَامِ الْعَمَلِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَارِدًا فِيمَنْ شَرَطَ تَأْخِيرَ أُجْرَتِهِ. وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِالْأُصُولِ وَاسْتِشْهَادُهُمْ بِالشَّرْعِ فَقَدْ بَيَّنَا وَجْهَ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ فَكَانَ دَلِيلًا وَانْفِصَالًا وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْجَعَالَةِ وَالْقِرَاضِ فَالْمَعْنَى فِيهِمَا إِنْ سَلِمَ القياس من النقيض بِالنِّكَاحِ أَنَّ الْعَقْدَ فِيهِمَا غَيْرُ لَازِمٍ فَلَمْ يَقَعْ فِيهِمَا إِجْبَارٌ وَالْإِجَارَةَ لَازِمَةٌ فَوَقَعَ فِيهَا إِجْبَارٌ.

وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَهَا مَا اسْتُرْجِعَتْ بِالِانْهِدَامِ فَهُوَ بَاطِلٌ بِاشْتِرَاطِ التَّعْجِيلِ وَبِالنِّكَاحِ وَبِالْبَيْعِ فِي اسْتِرْجَاعِ بَعْضِ الثَّمَنِ فِي أَرْشِ الْعَيْبِ فَبَطَلَ الِاسْتِدْلَالُ.

فَصْلٌ

: فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْأُجْرَةَ يَسْتَحِقُّهَا الْمُؤَجِّرُ حَالَّةً بِالْعَقْدِ فَمَا لَمْ يَقْبِضْهَا فَهِيَ لَهُ دَيْنٌ كَالْأَثْمَانِ فَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ مَا أَجَّرَهُ فَلَا مُطَالَبَةَ لَهُ بِالْأُجْرَةِ كَمَا لَا يُطَالَبُ بِثَمَنِ مَا لَمْ يَقْبِضْهُ فَإِذَا سَلَّمَ مَا أَجَّرَهُ اسْتَحَقَّ الْمُطَالَبَةَ بِأُجْرَتِهِ كَمَا يَسْتَحِقُّ الْمُطَالَبَةَ بِثَمَنِ مَا أَقْبِضُهُ فَإِذَا قَبَضَ الْأُجْرَةَ فَقَدْ مَلَكَهَا. وَهَلْ يَكُونُ مِلْكُهُ مُسْتَقِرًّا عَلَيْهَا أَوْ مُرَاعًى فِيهِ قَوْلَانِ مَضَيَا فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ:

أَحَدُهُمَا: مُرَاعًى لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ سَلَامَةِ الدَّارِ الْمُؤَجَّرَةِ فَتَسْتَقِرُّ وَبَيْنَ انْهِدَامِهَا فَيَرْتَجِعُ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ مُسْتَقِرٌّ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَرْتَجِعَ بِالِانْهِدَامِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ سَلَامَةُ الْحَالِ كَمَا أَنَّ بَائِعَ السَّلَمِ مُسْتَقِرُّ الْمِلْكِ عَلَى ثَمَنِهِ.

وَإِنْ جَازَ أَنْ يَرْتَجِعَ مِنْهُ لِعَدَمِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ وَكَمَا أَنَّ الزَّوْجَةَ مُسْتَقِرَّةُ الْمِلْكِ عَلَى صَدَاقِهَا وَإِنْ جَازَ أَنْ يَرْتَجِعَ جَمِيعَهُ بِالرِّدَّةِ وَنِصْفَهُ بالطلاق قبل الدخول.

[مسألة]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " فَإِذَا قَبَضَ الْعَبْدَ فَاسْتَخْدَمَهُ أَوِ الْمَسْكَنَ فَسَكَنَهُ ثُمَّ هَلَكَ الْعَبْدُ أَوِ انْهَدَمَ الْمَسْكَنُ حُسِبَ قَدْرُ مَا اسْتُخْدِمَ وَسُكِنَ فَكَانَ لَهُ وَرَدَّ بقدر ما

<<  <  ج: ص:  >  >>