بَقِيَ عَلَى الْمُكْتَرِي كَمَا لَوِ اشْتَرَى سَفِينَةَ طعامٍ كُلَّ قفيزٍ بِكَذَا فَاسْتَوْفَى بَعْضًا فَاسْتَهْلَكَهُ ثُمَّ هَلَكَ الْبَاقِي كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الثَّمَنِ بِقَدْرِ مَا قَبَضَ وَرَدَّ قَدْرَ مَا بَقِيَ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ. إِذَا اسْتَأْجَرَ عَبْدًا سَنَةً لِيَخْدِمَهُ أَوْ دَارًا سَنَةً لِيَسْكُنَهَا فَانْهَدَمَتِ الدَّارُ وَمَاتَ الْعَبْدُ فَلَا يَخْلُو ذَلِكَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْعَبْدِ وَإِقْبَاضِ الدَّارِ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الْإِجَارَةَ قَدْ بَطَلَتْ وَالْأُجْرَةُ الْمُسَمَّاةُ فِيهَا قَدْ سَقَطَتْ فَإِنْ كَانَ الْمُؤَجِّرُ قَدْ قَبَضَهَا فَعَلَيْهِ رَدُّهَا لِأَنَّ مَا تَضَمَّنَهُ الْعَقْدُ مَضْمُونٌ عَلَى عَاقِدِهِ مَا لَمْ يُسَلِّمْهُ كَالْمَبِيعِ مَضْمُونٌ عَلَى بَائِعِهِ مَا لَمْ يُسَلِّمْهُ.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ مَوْتُ الْعَبْدِ وَانْهِدَامُ الدَّارِ بَعْدَ تَقَضِّي الْمُدَّةَ وَاسْتِيفَاءِ السُّكْنَى وَالْخِدْمَةِ فَالْإِجَارَةُ قَدْ مَضَتْ سَلِيمَةً وَالْأُجْرَةُ فِيهَا مُسْتَقِرَّةٌ وَلَا تَرَاجُعَ بَيْنِهِمَا.
وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْعَبْدِ وَالدَّارِ وَقَبْلَ اسْتِيفَاءِ السُّكْنَى وَالْخِدْمَةِ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْإِجَارَةَ تَبْطُلُ فِيمَا بَقِيَ مِنَ الْمُدَّةِ بِمَوْتِ الْعَبْدِ وَانْهِدَامِ الدَّارِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وأبو حنيفة وَالْفُقَهَاءُ.
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ الْإِجَارَةُ صَحِيحَةٌ وَالْأُجْرَةُ لِلْمُسْتَأْجِرِ لَازِمَةٌ وَالْمَنَافِعُ عَلَيْهِ مَضْمُونَةٌ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ تَسْلِيمَ الدَّارِ الْمُؤَاجَرَةِ كَتَسْلِيمِهَا لَوْ كَانَتْ مَبِيعَةً فِي اسْتِحْقَاقِ الْعِوَضِ وَتَسْلِيمِ الْمُعَوَّضِ ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ لَوْ قَبَضَهَا عَنْ بَيْعٍ فَاسِدٍ فَانْهَدَمَتْ كَانَتْ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ وَلَمْ يَنْفَسِخِ الْبَيْعُ كَذَلِكَ إِذَا قَبَضَهَا بِإِجَارَةٍ وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مَقْبُوضَةٌ حُكْمًا فِي حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ لِجَوَازِ تَصَرُّفِهِ فِيهَا وَغَيْرُ مَقْبُوضَةٍ إِلَّا بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ فِي حَقِّ الْمُؤَجِّرِ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ ضَمَانِهَا وَتَسْلِيمِهَا.
وَلَيْسَ تَسْلِيمُ الدَّارِ تَسْلِيمًا لَهَا مُسْتَقِرًّا وَإِنَّمَا يَسْتَقِرُّ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْمُدَّةِ الْبَاقِيَةِ لَمْ تُخْلَقْ فَلَمْ يَصِحَّ أَنْ تُقْبَضَ قَبْضَ انْبِرَامٍ وَلَا أَنْ يُمْلَكَ بِالْغَائِبِ مِنْهَا عِوَضٌ وَلِأَنَّهُ لَوِ اسْتَقَرَّ قَبْضُ الْمَنَافِعِ فِي حَالِ التَّسْلِيمِ لَوَجَبَ اسْتِرْجَاعُ الدَّارِ فِي الْحَالِ وَلَمَا انْتُظِرَ بِهَا تَقَضِّي الْمُدَّةِ لِأَجْلِ مَا اسْتَقَرَّ بِهَا مِنْ قَبْضِ الْمَنْفَعَةِ فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ اسْتِرْجَاعُهَا قَبِلَ تَقَضِّي الْمُدَّةِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ التَّرْكُ لِاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ وَمَا بَطَلَ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ بَطَلَ الْعَقْدُ فِيهِ وَلِأَنَّ الْأُجْرَةَ لَا تَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ:
إِمَّا أَنْ تَكُونَ فِي مُقَابَلَةِ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ أَوْ فِي مُقَابَلَةِ تَسْلِيمِ الدَّارِ أَوْ فِي مُقَابَلَةِ التَّمْكِينِ مِنْهَا إِلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تَكُونَ فِي مُقَابَلَةِ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ لِأَنَّهُ لَوْ قَبَضَ وَلَمْ يَسْكُنْ لَلَزَمَتْهُ الْأُجْرَةُ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ تَكُونَ فِي مُقَابَلَةِ تَسْلِيمِ الدَّارِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا اسْتُرْجِعَتْ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ.
فَثَبَتَ أَنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ التَّمْكِينِ مِنْهَا إِلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلِ التَّمْكِينُ فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ لَمْ يَسْتَحِقَّ جَمِيعَ الْأُجْرَةِ وَخَالَفَ الْبَيْعَ لِأَنَّ الثَّمَنَ فِي مُقَابَلَةِ تَسْلِيمِ الرَّقَبَةِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَرْتَجِعْ.