للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحال الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ صَرْفًا يُقْصَدُ بِهِ التِّجَارَةُ وَطَلَبُ الرِّبْحِ وَالنَّمَاءِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ يبني على حَوْلِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى وَيُزَكِّي، وَلَا تَسْقُطُ الزكاة بالبيع اعتباراً بعروض التجارة، لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي أُصُولِهَا زَكَاةٌ فَلِأَنْ تَجِبَ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ أَوْلَى لِأَنَّ فِي أَصْلِهَا زَكَاةً وَلِأَنَّ مَا تَجِبُ زَكَاتُهُ مَعَ عَدَمِ النَّمَاءِ، فَلِأَنْ تَجِبَ زَكَاتُهُ مَعَ حُصُولِ النَّمَاءِ أَوْلَى.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ لَا زَكَاةَ، وَيَسْتَأْنِفُ الْحَوْلَ بِالْآخِرَةِ، وَلَا يَبْنِي لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لا زكاة على مالٍ حتى يحول عليه الْحَوْلُ " وَلِأَنَّهُ أَصْلٌ فِي نَفْسِهِ تَجِبُ زَكَاتُهُ فِي عَيْنِهِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ حَوْلُهُ بغيره كالمواشي، إذا بادلها بمواشي، وَلِأَنَّ قَصْدَ التِّجَارَةِ لَا يُزِيلُ حُكْمَ الْعَيْنِ، لِأَنَّ الْفَرْعَ لَا يُبْطِلُ حُكْمَ الْأَصْلِ، لِأَنَّ ما يحصل من ربحها يسير، لأن إِنْ بَاعَهَا بِجِنْسِهَا لَمْ يَجُزْ إِلَّا مِثْلًا بمثل، فإن بَاعَهَا بِغَيْرِ جِنْسِهَا لَمْ يَجُزْ إِلَّا يَدًا بيد ومع ارتفاع النَّسِيئَةِ يَقِلُّ الرِّبْحُ وَهَذَا أَقْيَسُ، وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ.

مسالة: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوِ اشْتَرَى عَرْضًا لِغَيْرِ تجارةٍ فَهُوَ كَمَا لو ملك بغير شراءٍ فإن نوى به التجارة فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ:

إِذَا اشْتَرَى عَرَضًا لِلْقِنْيَةِ، فَلَا زَكَاةَ فيه فإذا نَوَى بَعْدَ الشِّرَاءِ أَنْ يَكُونَ لِلتِّجَارَةِ، لَمْ يَكُنْ لِلتِّجَارَةِ وَلَا زَكَاةَ فِيهِ، حَتَّى يَتَّجِرَ بِهِ وَلَا يَكُونُ لِمُجَرَّدِ نِيَّتِهِ حُكْمٌ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وأبي حنيفة.

وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ: يَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ وَتَجْرِي فِيهِ الزَّكَاةُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحُسَيْنِ الْكَرَابِيسِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا لِأَنَّ عَرَضَ التِّجَارَةِ، لَوْ نَوَى بِهِ الْقِنْيَةَ سَقَطَتْ زَكَاتُهُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ فَكَذَلِكَ عَرَضُ الْقِنْيَةِ، إِذَا نَوَى بِهِ التِّجَارَةَ جَرَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ الزَّكَاةَ إِنَّمَا وَجَبَتْ فِي الْعَرَضِ لِأَجْلِ التجارة، والتجارة تصرف وفعل الحكم إِذَا عُلِّقَ بِفِعْلٍ لَمْ يَثْبُتْ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، حتى يقترن به الفعل وشاهد ذلك من الزَّكَاةِ، طَرْدٌ وَعَكْسٌ فَالطَّرْدُ أَنَّ زَكَاةَ الْمَوَاشِي تَجِبُ بِالسَّوْمِ، فَلَوْ نَوَى سَوْمَهَا وَهِيَ مَعْلُوفَةٌ لَمْ تَجِبِ الزَّكَاةُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ حَتَّى يَقْتَرِنَ بِهَا السَّوْمُ، وَالْعَكْسُ أَنَّ زَكَاةَ الْفِضَّةِ وَاجِبَةٌ إِلَّا أَنْ يَتَّخِذَهَا حُلِيًّا فَلَوْ نَوَى أَنْ تَكُونَ حُلِيًّا لَمْ تَسْقُطِ الزَّكَاةُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ حتى يقترن بها الفعل، وإن كَانَ شَاهِدُ الزَّكَاةِ طَرْدًا وَعَكْسًا يَدُلُّ عَلَى مَا أُثْبِتَ مِنِ انْتِقَالِ الْحُكْمِ الْمُعَلَّقِ بِالْفِعْلِ حِينَ يُوجَدُ الْفِعْلُ ثَبَتَ

<<  <  ج: ص:  >  >>