للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْهُ قَبْلَ وُجُوبِهِ وَاسْتِحْقَاقِهِ وَيَلْزَمُهُ مِنَ الدِّيَةِ تِسْعَةُ أَعْشَارِهَا، وَاعْتَرَضَ الْمُزَنِيُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ حِينَ رَأَى الشَّافِعِيَّ قَدْ بَعَّضَ عَفْوَهُ فَأَجَازَ بَعْضَهُ وَرَدَّ بَعْضَهُ اعْتِرَاضًا وَهِمَ فِيهِ فَقَالَ: إِنْ صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ لِلْقَاتِلِ صَحَّتْ فِي الْجَمِيعِ، وَإِنْ بَطَلَتْ رُدَّتْ فِي الْجَمِيعِ، وَلَمْ يَكُنْ لِتَبْعِيضِهَا وَتَفْرِيقِهَا وَجْهٌ، وَهَذَا وَهْمٌ مِنْهُ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ مَا بَعَّضَ عَفْوَهُ وَفَرَّقَهُ إِذَا كَانَ وَصِيَّةً، وَالْحَاكِمُ فِي جَمِيعِهِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ صِحَّتِهِ فِي الْكُلِّ، وَإِنْ جَازَتِ الْوَصِيَّةُ لَهُ أَوْ إِبْطَالُهُ فِي الْكُلِّ وَإِنْ رُدَّتْ وَإِنَّمَا فَرَّقَهُ إِذَا جُعِلَ إِسْقَاطًا وَإِبْرَاءً، لِأَنَّ مِنْ حُكْمِ الْإِبْرَاءِ عَلَى مَذْهَبِهِ أَنْ يَصِحَّ فِيمَا وَجَبَ وَيَبْطُلَ فِيمَا لَمْ يَجِبْ فَبَطَلَ اعتراضه.

[(مسألة)]

قال المزني رضي الله عنه: " قال - يعني الشافعي ولأنه قطع بِأَنَّهُ لَوْ عَفَا وَالْقَاتِلُ عَبْدٌ جَازَ الْعَفْوُ من ثلث الميت (قال) وإنما أجزنا ذلك لأنه وصية لسيد العبد مع أهل الوصايا ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: [وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ مِنْ إِحْدَى ثَلَاثِ مَسَائِلَ أَوْرَدَهَا الْمُزَنِيُّ هَاهُنَا لِاعْتِرَاضِهِ الَّذِي قَدَّمْتُهُ] ، وصورتها في عبد جنى على حر فعفى الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَنْهَا وَعَمَّا يَحْدُثُ مِنْهَا مِنْ قَوَدٍ وَعَقْلٍ، ثُمَّ سَرَتِ الْجِنَايَةُ إِلَى نَفْسِهِ فَمَاتَ عَنْهَا، فَهَذَا الْعَفْوُ قَدْ تَضَمَّنَ إِسْقَاطَ الْقَوَدِ وَإِسْقَاطَ الدِّيَةِ، وَالْقَوَدُ مُسْتَحَقٌّ عَلَى الْعَبْدِ الْجَانِي، وَالدِّيَةُ مُسْتَحَقَّةٌ عَلَى سَيِّدِهِ لِتَعَلُّقِهَا بِرَقَبَةِ عَبْدِهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَخْلُ حَالُ الْعَفْوِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا.

وَالثَّانِي: أَنْ يُضَافَ إِلَى الْعَبْدِ.

وَالثَّالِثُ: أَنْ يُضَافَ إِلَى السَّيِّدِ.

فَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا بِأَنْ قَالَ الْجَانِي: عَفَوْتُ عَنْهَا وَعَمَّا يَحْدُثُ عَنْهَا مِنْ عَقْلٍ وَقَوَدٍ صَحَّ الْعَفْوُ عَنِ الْقَوَدِ فِي حَقِّ الْعَبْدِ وَصَحَّ عَنِ الدِّيَةِ فِي حَقِّ السَّيِّدِ، وَسَوَاءٌ جَازَتِ الْوَصِيَّةُ لِلْقَاتِلِ أَوْ لَمْ تَجُزْ، لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ لِلسَّيِّدِ وَالسَّيِّدُ غَيْرُ قَاتِلٍ، وَإِنْ كَانَ الْعَفْوُ مُضَافًا إِلَى الْعَبْدِ بِأَنْ قَالَ لَهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ قَدْ عَفَوْتُ عَنْكَ وَعَمَّا يَجِبُ لِي عَلَيْكَ مِنْ قَوَدٍ وَعَقْلٍ صَحَّ الْعَفْوُ عَنِ الْقَوَدِ وَلَمْ يَصِحَّ عَفْوُهُ عَنِ الدِّيَةِ لِوُجُوبِ الْقَوَدِ عَلَى الْعَبْدِ وَوُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَى السَّيِّدِ، وَإِنْ كَانَ الْعَفْوُ مُضَافًا إِلَى السَّيِّدِ بِأَنْ قَالَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ: قَدْ عَفَوْتُ عَمَّا وَجَبَ لِي عَلَى سَيِّدِكَ مِنْ قَوَدٍ وَعَقْلٍ صَحَّ عَفْوُهُ عَنِ الدِّيَةِ وَلَمْ يَصِحَّ عَفْوُهُ عَنِ الْقَوَدِ لِوُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَى السَّيِّدِ وَوُجُوبِ الْقَوَدِ عَلَى الْعَبْدِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>