وَالثَّانِي: تَحَالُفُهُمْ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ فِيمَنْ بَقِيَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
فَأَمَّا مُرَاسَلَةُ النَّجَاشِيِّ فَأَنْفَذُوا فِيهَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، وَعُمَارَةَ بْنَ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ مَعَ هَدَايَا لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ لِيُعْلِمُوهُ أَنَّ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ أَفْسَدُوا الْأَدْيَانَ وَرُبَّمَا أَفْسَدُوا دِينَكَ وَدِينَ قَوْمِكَ وَكَانَ نَصْرَانِيًّا فَجَمَعَ بَيْنَهُمْ وَفَلَحَتْ حُجَّةُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَظْفَرُوا بِطَائِلٍ وَعَادَ عَمْرٌو وَهَلَكَ عُمَارَةُ
وَأَمَّا تَحَالُفُهُمْ عَلَى النَّاسِ فَإِنَّ قُرَيْشًا أَجْمَعَتْ رَأْيَهَا، وَتَعَاقَدَتْ عَلَى مُقَاطَعَةِ بَنِي هَاشِمٍ وَأَنْ لَا يُنَاكِحُوهُمْ، وَلَا يُبَايِعُوهُمْ، وَلَا يُسَاعِدُوهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِهِمْ حِينَ أَقَامَ أَبُو طَالِبٍ عَلَى نُصْرَةِ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَكَتَبُوا مَا تَعَاقَدُوا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ فِي صَحِيفَةٍ وَعَلَّقُوهَا فِي سَقْفِ الْكَعْبَةِ، فَجَمَعَ أَبُو طَالِبٍ جَمِيعَ بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِي الْمُطَّلِبِ مُسْلِمَهُمْ وَكَافِرَهُمْ وَعَاهَدَهُمْ عَلَى إِجْمَاعِ الْكَلِمَةِ، وَدُخُولِ الشِّعْبِ، فَأَجَابُوا إِلَّا أَبَا لَهَبٍ وَوَلَدُهُ فَإِنَّهُمُ انْحَازُوا عَنْهُمْ إِلَى قُرَيْشٍ، وَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الشِّعْبِ مَعَ أَبِي طَالِبٍ وَسَائِرِ بَنِي هاشم وبني المطلب مدة ثلاثة سِنِينَ لَا يَصِلُ إِلَيْهِمُ الطَّعَامُ إِلَّا سِرًّا وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ إِلَّا مُسْتَخْفِيًا إِلَى أَنْ بَدَأَ مِنْ قُرَيْشٍ هِشَامُ بْنُ عَمْرٍو فَكَلَمَّ زُهَيْرَ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ ثُمَّ كَلَّمَ الْمُطْعِمَ بْنَ عَدِيٍّ، ثُمَّ كَلَّمَ أَبَا الْبَخْتَرِيِّ يُقَبِّحُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ قَبِيحَ مَا ارْتَكَبُوهُ مِنْ قَطِيعَةِ الْأَرْحَامِ فِي بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ، فَوَافَقُوهُ وَاجْتَمَعُوا مِنْ غَدٍ فِي نَادِي قُرَيْشٍ عَلَى نَقْضِ الصَّحِيفَةِ وَبَدَأَ بِالْكَلَامِ هِشَامُ بْنُ عَمْرٍو، فَرَدَّ عَلَيْهِ أَبُو جَهْلٍ: فَتَكَلَّمَ زُهَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ وَأَبُو الْبَخْتَرِيِّ بِمِثْلِ كَلَامِ هُشَامٍ. فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَذَا أَمْرٌ أُبْرِمَ بِلَيْلٍ، وَأُحْضِرَتِ الصَّحِيفَةُ مِنْ سَقْفِ الْكَعْبَةِ، وَقَدْ أَكَلَتْهَا الْأَرَضَةُ إِلَّا قَوْلَهُمْ: " بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ " فَإِنَّهُ بَقِيَ وَشُلَّتْ يَدُ كَاتِبِهَا، وَهُوَ مَنْصُورُ بْنُ عِكْرِمَةَ وَخَرَجَ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى مَكَّةَ مُنْتَشِرِينَ فِيهَا كَمَا كَانُوا.
(فَصْلٌ)
: ثُمَّ لَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنَ الشِّعْبِ عَلَى حَالِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا لَا يَصِلُ إِلَيْهِ مَكْرُوهٌ حَتَّى مَاتَ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ، وَمَاتَتْ خَدِيجَةُ فِي عَامٍ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ هِجْرَتِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ، فَنَالَهُ الْأَذَى بَعْدَ ذَلِكَ، حَتَّى نَثَرَ بَعْضُ سُفَهَاءِ قُرَيْشٍ التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهِ، فَدَخَلَ بَيْتَهُ فَرَأَتْ إِحْدَى بَنَاتِهِ التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهِ، فَبَكَتْ فَقَالَ: " لَا تَبْكِي فَإِنَّ اللَّهَ يَمْنَعُ أَبَاكِ "
وَخَرَجَ إِلَى الطَّائِفِ لِيَمْتَنِعَ، وَيَسْتَنْصِرَ ثقيف، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهَا عَمَدَ إِلَى سَادَاتِهَا وَهُمْ ثَلَاثَةُ أُخْوَةٍ عَبْدُ يَالِيلَ، وَمَسْعُودٌ وَحَبِيبٌ بَنُو عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ فَكَلَّمَهُمْ وَدَعَاهُمْ إِلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute