للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ كَالْإِيمَانِ لِأَنَّهَا قولٌ وعملٌ ونيةٌ، ثُمَّ لَمْ تَجُزِ النِّيَابَةُ فِي الْإِيمَانِ إِجْمَاعًا فَلَمْ تَجُزْ فِي الصَّلَاةِ حِجَاجًا، فَأَمَّا رَكْعَتَا الطَّوَافِ؛ فَلِأَنَّهَا تَبَعٌ لِمَا تَصِحُّ فِيهِ النِّيَابَةُ فَخُصَّتْ بِالْجَوَازِ؛ لِاخْتِصَاصِهَا بِالْمَعْنَى، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنَ الْحَجِّ فَقَدْ تَقَدَّمَ اخْتِصَاصُهُ بِالنِّيَابَةِ لِاخْتِصَاصِ وُجُوبِهِ بالمال.

[(مسألة:)]

قال الشافعي: " وَمَنِ اشْتَرَى مِمَّا أَطْعَمَ أَوْ كَسَا أَجَزْتُهُ وَلَوْ تَنَزَّهَ عَنْ ذَلِكَ كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، يُكْرَهُ إِنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ عَنْ وَاجِبٍ أَوْ تَطَوُّعٍ أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنَ الْمُعْطِي، لِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ فَرَسًا تَصَدَّقَ بِهِ فَيَ سَبِيلِ اللَّهِ يُقَالُ لَهُ: الْوَرْدُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لا تعد في صدقتك ولو أعطيتها بفقيرٍ، وَدَعْهَا حَتَّى تَكُونَ هِيَ وَنِتَاجُهَا لَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ "، وَلِأَنَّ مِنْ عُرْفِ الْمُعَطَى أَنْ يَسْمَحَ فِي بَيْعِهَا عَلَى الْمُعْطِي، فَصَارَ بِالِابْتِيَاعِ كَالرَّاجِعِ فِي بَعْضِ عَطِيَّتِهِ، فَإِنِ ابْتَاعَهَا صَحَّ الِابْتِيَاعُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَصِحُّ الِابْتِيَاعُ وَتُعَادُ إِلَى الْبَائِعِ احْتِجَاجًا بِمَا مَضَى، وَدَلِيلُنَا مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لغنيٍّ إِلَّا لِخَمْسَةٍ " ذَكَرَ مِنْهَا رَجُلًا رَآهَا تُبَاعُ فَاشْتَرَاهَا فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يَمْلِكَهَا مِيرَاثًا جَازَ أَنْ يَمْلِكَهَا ابْتِيَاعًا كَغَيْرِهِ مِنَ الرِّجَالِ وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يَبْتَاعَهَا غَيْرُهُ مِنَ الرِّجَالِ جَازَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُبْتَاعَ كَغَيْرِهَا مِنَ الْأَمْوَالِ، وَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ مَحْمُولٌ عَلَى التَّنْزِيهِ دُونَ التَّحْرِيمِ.

(مَسْأَلَةٌ:)

قال الشافعي: " وَمَنْ كَانَ لَهُ مسكنٌ لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ هُوَ وَأَهْلُهُ وخادمٌ أُعْطِيَ مِنَ الْكَفَّارَةِ وَالزَّكَاةِ وَإِنْ كَانَ فِي مَسْكَنِهِ فضلٌ عَنْ خَادِمِهِ وَأَهْلِهِ الْفَضْلُ الَّذِي يَكُونُ بِهِ غَنِيًّا لَمْ يُعْطَ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا كَانَ لَهُ مَسْكَنٌ لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ، وَخَادِمٌ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ، وَجَازَ أَنْ يُكَفِّرَ بِالصِّيَامِ دُونَ الْمَالِ وَلَوْ كَانَ مُفْلِسًا بِيعَ ذَلِكَ فِي دَيْنِهِ، وَإِنْ لَمْ يُبَعْ فِي كَفَّارَتِهِ، لِأَنَّ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ مُشَاحَّةً، وَفِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى مُسَامَحَةً، فَإِنْ كَانَ فِي ثَمَنِ مَسْكَنِهِ أَوْ فِي ثَمَنِ خَادِمِهِ فَضْلٌ يَكُونُ بِهِ غَنِيًّا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَالْكَفَّارَةُ وَإِنْ كَانَ فِيهِمَا فَضْلٌ لِلتَّكْفِيرِ بِالْمَالِ لَمْ يُجْزِهِ التَّكْفِيرُ بِالصِّيَامِ.

[(مسألة:)]

قال الشافعي: " وَإِذَا حَنِثَ مُوسِرًا ثُمَّ أَعْسَرَ لَمْ أَرَ الصَّوْمَ يُجْزِئُ عَنْهُ وَآمُرُهُ احْتِيَاطًا أَنْ يَصُومَ فَإِذَا أَيْسَرَ كَفَّرَ وَإِنَّمَا أُنْظِرُ فِي هَذَا إلى الوقت الذي يحنث فيه ولو حنث معسراً فأيسر أحببت له أن يكفر ولا يصوم وإن صام أجزأ عنه لأن حكمه حين حنث حكم الصيام (قال المزني) وقد قال في الظهار إن حكمه حين يكفر وقد قال في

<<  <  ج: ص:  >  >>