للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْحَالُ الَّتِي يَعْتِقُ عَلَيْهِ فِيهَا قَدْرَ سَهْمِهِ مِنْهُ، فَهُوَ أَنْ يُقَسِّمَ الْغَنَائِمَ فَيَجْعَلَ فِي سَهْمٍ عشره هُوَ أَحَدُهُمْ، فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ مِنْهُ قَدْرُ حَقِّهِ وَهُوَ عشرة؛ لِاسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ عَلَى عُشْرِهِ وَيُقَوَّمَ عَلَيْهِ بَاقِيهِ إِنْ كَانَ مُوسِرًا؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِاخْتِيَارِهِ.

وَأَمَّا الْحَالُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا فَهُوَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ إِذَا كَانَ عَدَدُ الْغَانِمِينَ مَحْصُورًا، فَيَكُونُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ حكم أو الْوَلَدِ، وَهُوَ أَنْ يَنْظُرَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي تِلْكَ الْغَنِيمَةِ غَيْرُهُ، فَقَدْ تَعَيَّنَ مِلْكُهُ فِيهِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْدِلَ بِهِ إِلَى غَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ قَدْرَ حَقِّهِ مِنْهُ، وَلَا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ بَاقِيهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْقِسْمَةِ غَيْرُهُ، وَهِيَ الْحَالُ الَّتِي يَجُوزُ لِأَمِيرِ الْجَيْشِ أَنْ يقسم فيها الغنيمة بحكمه على اختياره، لايعتبر فِيهَا الْمُرَاضَاةُ. فَفِي نُفُوذِ عِتْقِ حَقِّهِ مِنْهُ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَا مَلَكَ، وَإِنَّمَا جَازَ أَنْ يَمْلِكَهُ؛ لِجَوَازِ أَنْ يُجْعَلَ فِي سَهْمِ غَيْرِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُعْتَقُ عَلَيْهِ قَدْرَ حَقِّهِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى مِلْكِ جميع الغانمين، فغلب فيه حكم الإشاعة، فإذا أَعْتَقَ قَدْرَ حَقِّهِ كَانَ مَحْسُوبًا عَلَيْهِ مِنْ سهمه، ولم يقوم عَلَيْهِ بَاقِيه؛ لِأَنَّهُ عُتِقَ عَلَيْهِ بِلَا اخْتِيَارِهِ.

فَأَمَّا إِذَا بَدَأَ أَحَدُ الْغَانِمِينَ فِي هَذِهِ الْحَالِ فَأَعْتَقَ أَحَدَ السَّبْيِ لَمْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِحَالٍ، بِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ، وَعِتْقِ بَعْضِ الْمُنَاسِبِينَ؛ لأن ما يُعْتَقُ بِغَيْرِ اخْتِيَارٍ أَقْوَى، وَمَا يُعْتَقُ بِالِاخْتِيَارِ أَضْعَفُ وَلِذَلِكَ نَفَذَ فِي حَقِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ عتق ما ملكه من ما سبيه، وَأَنْ تَصِيرَ أَمَتُهُ إِذَا أَحْبَلَهَا أُمَّ وَلَدٍ، وَلَمْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ مَنْ تَلَفَّظَ بِعِتْقِهِ. فَأَمَّا اعْتِرَاضُ الْمُزَنِيِّ بِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ قَدْرُ حَقِّهِ مِنْ أَبِيهِ، فَكَذَلِكَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ فَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُمَا فِي الْحُكْمِ سَوَاءٌ وَإِنَّمَا يُخَالِفَانِ عِتْقَ الْمُبَاشَرَةِ؛ لِلْفَرْقِ الَّذِي ذَكَرْنَا.

[(مسألة)]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَمَنْ سُبِيَ مِنْهُمْ مِنَ الْحَرَائِرِ فَقَدْ رُقَّتْ وَبَانَتْ مِنَ الزَّوْجِ كَانَ مَعَهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ سَبَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نِسَاءَ أَوْطَاسٍ وَبَنِي الْمُصْطَلِقِ وَرِجَالَهَمْ جَمِيعًا فَقَسَّمَ السَّبْيَ وَأَمَرَ أَنْ لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا حَائِلٌ حَتَّى تَحِيضَ وَلَمْ يَسْأَلْ عَنْ ذَاتِ زَوْجٍ وَلَا غَيْرِهَا وَلَيْسَ قَطْعُ الْعِصْمَةِ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ أَزْوَاجِهِنَّ بِأَكثَرَ مِنَ اسْتِبَائِهِنَّ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَمُقَدِّمَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ سَبْيَ الذُّرِّيَّةِ مُوجِبٌ لِرِقِّهِمْ، وَالذُّرِّيَّةُ هُمُ النِّسَاءُ وَالْأَطْفَالُ، فَإِذَا أُحِيزُوا بَعْدَ تَقَضِّي الْحَرْبِ رُقُّوا، فَأَمَّا سَبْيُ الْمُقَاتِلَةِ فَلَا يُرَقُّونَ بِالسَّبْيِ، حَتَّى يُسْتَرَقُّوا.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ لِأَمِيرِ الْجَيْشِ خِيَارًا فِي الرِّجَالِ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالْفِدَاءِ وَالْمَنِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>