للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَذَا، إِذَا قَارَبْتُهُ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} فَهُوَ الْمُرَاجَعَةُ فِي الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ قَبْلَ انْقِضَاءِ العدة، أو يسرحخن بِمَعْرُوفٍ هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ رَجَعَتْهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ وَقَالَ تَعَالَى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: ٢٢٨] . يَعْنِي بِرَجْعَتِهِنِّ فِي ذَلِكَ، يَعْنِي فِي الطَّلَاقِ إِذَا كان دون الثلاث، {إن أرادوا إصلاحاً} يعني إن أراد البعولة إصلاحاً، مَا تَشَعَّثَ مِنَ النِّكَاحِ بِالطَّلَاقِ بِمَا جُعِلَ لَهُمْ مِنَ الرَّجْعَةِ فِي الْعِدَّةِ.

وَحُكِيَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ أَرَادَ الصَّلَاحَ فِي الدِّينِ وَالتَّقْوَى، وَأَنَّ الرَّجْعَةَ لَا تَصِحُّ إِلَّا لِمَنْ أَرَادَ بِهَا صَلَاحَ دِينِهِ وَتَقْوَى رَبِّهِ، وَهُوَ قَوْلٌ تَفَرَّدَ بِهِ عَنِ الْجَمَاعَةِ، فَدَلَّتِ الْآيَةُ الْأُولَى عَلَى إِبَاحَةِ الرَّجْعَةِ بَعْدَ الثَّانِيَةِ، وَإِبْطَالِهَا بَعْدَ الثَّالِثَةِ، وَدَلَّتِ الْآيَةُ الثَّانِيَةُ عَلَى إِبَاحَةِ الرَّجْعَةِ فِي الْعِدَّةِ وَإِبْطَالِهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ.

وَدَلَّتِ الْآيَةُ الثَّالِثَةُ عَلَى أَنَّ الرَّجْعَةَ رَافِعَةٌ لِتَحْرِيمِ الطَّلَاقِ. فَكَانَ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْآيِ الثَّلَاثِ دَلِيلٌ عَلَى حُكْمٍ لَمْ يَكُنْ فِي غَيْرِهَا وَقَالَ تَعَالَى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: ١] . إِلَى قَوْله تَعَالَى: {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: ١] . يَعْنِي رَجْعَةً فَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى إِبَاحَةِ الرَّجْعَةِ وَاخْتِيَارِ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ احْتِرَازًا مِنَ النَّدَمِ فِي الثَّلَاثِ وَأَنَّ وُقُوعَهُ فِي أَقَرَاءِ الْعِدَّةِ أَفْضَلُ. وَيَدُلُّ عَلَى إِبَاحَةِ الرَّجْعَةِ مِنَ السُّنَّةِ مَا رَوَاهُ أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ عَنْ قَيْسِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - طَلَّقَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ تَطْلِيقَةً فَأَتَاهَا خَالَاهَا قَدَامَةُ وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، فَبَكَتْ وَقَالَتْ: أَمَا وَاللَّهِ مَا طَلَّقَنِي عَنْ شِبَعٍ فَجَاءَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَدَخَلَ عَلَيْهَا فَتَجَلْبَبَتْ. فَقَالَ: (إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَتَانِي فَقَالَ لِي رَاجِعْ حَفْصَةَ، فَإِنَّهَا صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ، وَإِنَّهَا زَوْجَتُكَ فِي الْجَنَّةِ) .

وَرَوَى إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لِسَوْدَةَ: (اعْتَدِّي) فَجَعَلَهَا تَطْلِيقَةً فَجَلَسَتْ فِي طَرِيقِهِ فَقَالَتْ: إِنِّي أَسْأَلُكَ بِاللَّهِ لَمَا رجَّعْتَنِي وَاجْعَلْ نَصِيبِي مِنْكَ لَكَ تَجْعَلُهُ لِأَيِّ أَزْوَاجِكِ شِئْتَ، إِنَّمَا أُرِيدُ أَنْ أُحْشَرَ وَأَزْوَاجِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرَاجَعَهَا.

وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِعُمَرَ (مُرْهُ فَلَيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إِنْ شَاءَ طَلَّقَ بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ) .

وَرُوِيَ أَنَّ رُكَانَةَ بْنَ عَبْدِ يَزِيدَ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ أَلْبَتَّةَ فَأَحْلَفَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ أَرَادَ وَاحِدَةً ثُمَّ رَدَّهَا عَلَيْهِ بِالرَّجْعَةِ.

(فَصْلٌ:)

فَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ جَوَازِ الرجعة بعد الطلاق فإن اسْتِبَاحَةَ الْبُضْعِ بَعْدَ تَحْرِيمِهِ بِالطَّلَاقِ بِغَيْرِ عَقْدِ نِكَاحٍ عَلَى مَا سَنَصِفُهُ مِنْ حَلَالِهَا وَجَوَازِهَا مَعًا مُعْتَبَرٌ بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ:

<<  <  ج: ص:  >  >>